ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي سيقول هؤلاء القوم الخائضون في قصتهم في عهد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أهل الكتاب هم ثلاثة رجال يتبعهم كلبهم ﴿وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بالغيب﴾ أي ويقول البعض: إنهم خمسةٌ سادسهم الكلب قذفاً بالظنِّ من غير يقين ولا علم كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ أي ويقول البعض إنهم سبعةٌ والثامن هو الكلب ﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم﴾ أي الله أعلم بحقيقة عددهم ﴿مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ أي لا يعلم عدتهم إلا قليل من الناس قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، كانوا سبعةً إن الله عدَّهم حتى انتهى إلى السبعة قال المفسرون: إن الله تعالى لما ذكر القول الأول والثاني أردفه بقوله ﴿رَجْماً بالغيب﴾ ولما ذكر القول الأخير لم يقدح فيه بشيء فكأنه أقر قائله ثم نبَّه رسوله إلى الأفضل والأكمل وهو ردُّ العلم إلى علام ﴿فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً﴾ أي فلا تجادل أهل الكتاب في عدتهم إلا جدال متيقنٍ عالم بحقيقة الخبر ﴿وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً﴾ أي لا تسأل أحداً عن قصتهم فإنَّ فيما أوحي إليك الكفاية ﴿وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ أي لا تقولنَّ لأمر عزمت عليه إني سأفعله غداً إلا إذا قرنته بالمشيئة فقلت إن شاء الله قال ابن كثير: سبب نزول الآية أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما سئل عن قصة أصحاب الكهف قال: (غداً أجيبكم) فتأخر الوحي عنه خمسة عشر يوماً ﴿واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ أي أذا نسيت أن تقول إن شاء الله ثم تذكرت فقلها لتبقى نفسك مستشعرةً عظمة الله ﴿وَقُلْ عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً﴾ أي لعلَّ الله يوفقني ويرشدني إلى ما هو أصلح من أمر ديني ودنياي ﴿وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعاً﴾ أي مكثوا في الكهف نائمين ثلاثمائة وتسع سنين، وهذا بيانٌ لما أُجمل في قوله تعالى ﴿سِنِينَ عَدَداً﴾ ﴿قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ﴾ أي الله أعلم بمدة لبثهم في الكهف على وجه اليقين ﴿لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض﴾ أي هو تعالى المختص بعلم الغيب وقد أخبرك بالخبر القاطع عن أمرهم الحكيمُ الخبير ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ أي ما أبصره بكل موجود، وما أسمعه لكل مسموع، يدرك الخفيات كما يدرك الجليات ﴿مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ﴾ أي ليس للخلق ناصرٌ ولا معين غيره تعالى ﴿وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾ أي ليس له شريك ولا مثيل ولا نظير، ولا يقبل في قضائه وحكمه أحداً لأنه الغنيّ عما سواه.
البلاغة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين ﴿يُبَشِّرَ.. وَيُنْذِرَ﴾ وبين ﴿يَهْدِ.. ويُضْلِلْ﴾ وبين ﴿أَيْقَاظاً.. ورُقُودٌ﴾ وبين ﴿ذَاتَ اليمين.. وَذَاتَ الشمال﴾.
٢ - الطباق المعنوي بين ﴿فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ.. ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ﴾ لأن معنى الأول أنمناهم والثاني أيقظناهم.
٣ - الجناس الناقص بين ﴿قَامُواْ.. وقَالُواْ﴾.
٤ - الإطناب بذكر الخاص بعد العام ﴿لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيدا﴾ ﴿وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً﴾ لشناعة دعوى الولد لله، وفيه من بديع الحذف وجليل الفصاحة حذف المفعول الأول أي لينذر