التفسِير: ﴿واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ﴾ أي إقرأ يا محمد ما أوحاه إليك ربك من آيات الذكر الحكيم ﴿لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ أي لا يقدر أحدٌ أن يغيّر أو يبدّل كلام الله ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾ أي لن تجد ملجأ غير الله تعالى أبداً ﴿واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي﴾ أي احبس نفسك مع الضعفاء والفقراء من المسلمين الذين يدعون ربهم بالصباح والماء ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ أي يبتغون بدعائهم وجه الله تعالى ﴿وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ أي لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف قال المفسرون: كان عليه السلام حريصاً على إيمان الرؤساء ليؤمن أبتاعهم ولم يكن مريداً لزينة الدنيا قط، فأمِر أن يجعل إقباله على فقراء المؤمنين وأن يُعرض عن أولئك العظماء والأشراف من المشركين ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا﴾ أي تبتغي بمجالستهم الشرف والفخر قال ابن عباس: لا تجاوزهم إلى غيرهم تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ أي لا تطع كلام الذين سألوك طرد المؤمنين فقلوبهم غافلة عن ذكر الله، وقد شغلوا عن الدين وعبادةِ ربهم بالدنيا قال المفسرون: نزلت في عيُُينة بن حصن وأصحابه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أما يؤذيك ريح هؤلاء؟ ونحن سادةُ مضر وأشرافها إن أسلمنا يسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحِّهمْ عنك حتى نتبعك، أو أجعل لنا مجلساً ولهم مجلس، فهمَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يجيبهم إلى ما طلبوا فلما نزلت الآية خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يلتمس هؤلاء الفقراء فلما رآهم جلس معهم وقال
«الحمد لله الذي جعل أُمتي من أمرني ربي أن أصبر نفسي معهم» ﴿واتبع هَوَاهُ﴾ أي سار مع هواه وترك أمر الله ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ أي كان أمره ضياعاً وهلاكاً ودماراً ﴿وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ظاهرُه أمرٌ وحقيقته وعيدٌ وإنذار أي قل يا محمد لهؤلاء الغافلين لقد ظهر الحق وبان بتوضيح الرحمن فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا كقوله ﴿اعملوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ أي هيأنا للكافرين بالله ورسوله ناراً حاميةً شديدة أحاط بهم سورها كإحاطة السوار بالمعصم ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه﴾ أي وإن استغاثوا من شدة العطش فطلبوا الماء أُغيثوا بماءٍ شديد الحرارة كالنحاس المذاب أو كعكر الزيت المحمى يشوي وجوههم إذا قَرُب منهم من شدة حره وفي الحديث «ماءٌ كعكر الزيت فإذا قُرب إليه سقطت فروة وجهه فيه» أي سقطت جلدة وجهه فيه أعاذنا الله من جهنم ﴿بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ أي بئس ذلك الشراب الذي يُعاثون به وساءت جهنم منزلاً ومقيلاً يرتفق به أهل النار ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ لما ذكر تعالى حال الأشقياء أعقبه بذكر حال السعداء، على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب، أي إنا لا نضيع ثواب من أحسن عمله وأخلص فيه بل نزيده وننميه ﴿أولئك لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ أي لهم جنات إقامة ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار﴾ أي تجري من تحت غرفهم ومنازلهم أنهار الجنة ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ أي يُحلَّون في الجنة بأساوِر الذهب قال المفسرون: ليس


الصفحة التالية
Icon