أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أساور: سوارٌ من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ، لأن الله تعالى: قال ﴿وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ٢١] وقال ﴿وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [فاطر: ٣٣] وفي الحديث «تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء» ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ أي وهم رافلون في ألوانٍ من الحرير، برقيق الحرير وهو السندس، وبغليظه وهو الاستبرق قال الطبري: معنى الآية أنهم يلبسون من الحلي أساور من ذهب، ويلبسون من الثياب السندس وهو ما رقَّ من الديباج، والاستبرق وهو ما غلظ فيه وثَخُن ﴿مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرآئك﴾ أي متكئين في الجنة على السرر الذهبية المزينة والستور قال ابن عباس: الآرائك الأسرة من ذهب وهي مكلَّلة بالدُر والياقوت عليها الحجال، الأريكةُ ما بين صنعاء إلى أيلة، وما بين عدن إلى الجابية ﴿نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾ أي نعم ذلك جزاء المتقين، وحسنت الجنة منزلاً ومقيلاً لهم ﴿اضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ﴾ أي اضرب لهؤلاء الكفار الذين طلبوا منك أن تطرد الفقراء هذا المثل قال المفسرون: هما أخوان من بني إسرائيل، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، ورثا مالاً عن أبيهما فاشترى الكافر بماله حديقتين، وأنفق المؤمن ماله في مرضاة الله حتى نفد ماله فعيَّره الكافر بفقره، فأهلك الله مال الكافر، وضرب هذا مثلاً للمؤمن من الذي يعمل بطاعة الله، والكافر الذي أبطرته النعمة ﴿جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ أي جعلنا لأحدهما - وهو الكافر - بستانينِ من شجر العنب، مثمريْن بأنواع العنب اللذيد ﴿وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ﴾ أي أحطناهما بسياجٍ من شجر النخيل ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً﴾ أي جعلنا وسط هذين البستانين زرعاً ويتفجر بينهما نهر، وإنه لمنظرٌ بهيجٌ يصوره القرآن أروع تصوير، منظر الحديقتين المثمرتين بأنواع الكرم، المحفوفتين بأشجار النخيل، تتوسطهما الزروع وتتفجر بينهما الأنهار ﴿كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً﴾ أي كلُّ واحدة من الحديقتين أخرجت ثمرها يانعاً في غاية الجودة والطيب ولم تنقص منه شيئاً ﴿وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً﴾ أي جعلنا النهر يسير وسط الحديقتين ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ أي وكان للأخ الكافر من جنتيه أنواع من الفواكه والثمار ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ أي قال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن وهو يجادله ويخاصمه ويفتخرعليه ويتعالى: أنا أغنى منك وأشرف، وأكثر أنصاراً وخدماً ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ أي أخذ بيد أخيه المؤمن ودخل الحديقة يطوف به فيها ويريه ما فيها من أشجار وثمار وأنهار وهو ظالم لنفسه بالعُجب والكفر ﴿قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً﴾ أي ما أعتقد أن تفنى هذه الحديقة أبداً ﴿وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً﴾ أي وما أعتقد القيامة كائنة وحاصلة، أنكر فناء جنته وأنكر البعث والنشور ﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا﴾ أي ولئن كان هناك بعثٌ - على - سبيل الفرض والتقدير كما تزعمُ - فسوف يعطيني الله خيراً من هذا وأفضل ﴿مُنْقَلَباً﴾ أي مرجعاً وعاقبة فكما أعطاني هذا في الدنيا فسيعطيني في الآخرة لكرامتي عليه ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ أي قال ذلك المؤمن الفقير وهو يراجع أخاه ويجادله ﴿أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾ أي أجحدت الله الذي خلق أصلك من تراب ثم من منيّ ثم سوَّاك إنساناً سوياً؟ الاستفهام


الصفحة التالية
Icon