تَعْقِلُونَ} أي أتغفلون عن ذلك فلا تعقلون أن من يدعوكم إلى الخير دون إرادة جزاءٍ منكم هو لكم ناصح أمين؟ والاستفهام للإنكار والتقريع ﴿وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ﴾ أي استغفروه من الكفر والإشراك ﴿ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ﴾ أي ارجعوا إليه بالطاعة والإِستقامة على دينه والتمسك بالإِيمان والتوحيد ﴿يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً﴾ أي يرسل عليكم المطر غزيراً متتابعاً، رُوي أن عاداً كان حُبس عنهم المطر ثلاث سنين حتى كادوا يهلكون، فأمرهم هودٌ بالتوبة والاستغفار ووعدهم على ذلك بنزول الغيث والمطر، وفي الآية دليل على أن التوبة والاستغفار، سببٌ للرحمة ونزول الأمطار ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ﴾ أي ويزدكم عزاً وفخراً فوق عزكم وفخاركم قال مجاهد: شدة إلى شدتكم، فإنهم كانوا في غاية القوة والبطش حتى قالوا ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] ؟ ﴿وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه مصرّين على الإِجرام، وارتكاب الآثام ﴿قَالُواْ ياهود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ أي ما جئتنا بحجةٍ واضحة تدل على صدقك قال الآلوسي: وإنما قالوه لفرط عنادهم، أو لشدة عَمَاهم عن الحق ﴿وَمَا نَحْنُ بتاركي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ﴾ أي لسنا بتاركين عبادة الأصنام من أجل قولك ﴿وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ أي لسنا بمصدقين لنبوتك ورسالتك، والجملة تقنيطٌ من دخولهم في دينه، ثم نسبوه إلى الخبل والجنون فقالوا ﴿إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ آلِهَتِنَا بسواء﴾ أي ما نقول إلا أصابك بعض آلهتنا بجنون لما سببتها ونهيتنا عن عبادتها قال الزمخشري: دلت أجوبتهم المتقدمة على أن القوم كانوا جفاةً، غلاظ الأكباد، لا يلتفتون إلى النصح، ولا تلين شكيمتهم للرشد، وقد دلَّ قولهم الأخير على جهلٍ مفرط، وبلَهٍ متناهٍ، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم ﴿قَالَ إني أُشْهِدُ الله﴾ أي قال هودٌ إني أُشهدُ الله على نفسي ﴿واشهدوا أَنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ﴾ أي وأشهدكم أيضاً أيها القوم أنني بريءٌ مما تشركون في عبادة الله من الأوثان والأصنام ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ﴾ أي فاحتالوا في هلاكي أنتم وآلهتكم ثم لا تمهلوني طرفة عين قال أبو السعود: وهذا من أعظم المعجزات، فإنه عليه السلام كان رجلاً مفرداً بين الجم الغفير من عتاة عاد، الغلاظ الشداد، وقد حقّرهم وهيّجهم بانتقاص آلهتهم، وحثهم على التصدّي له فلم يقدروا على مباشرة شيء، وظهر عجزهم عن ذلك ظهوراً بيناً وقال الزمخشري: من أعظم الآيات أن يُواجه بهذا الكلام رجلٌ واحد أمة عطاشاً إلى إراقة دمه، يرمونه عن قوسٍ واحدة، وذلك لثقته بربه وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم، ومثله قول نوح
﴿فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ أي إني لجأت إلى الله وفوضت أمري إليه تعالى مالكي ومالككم ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ﴾ أي ما من نسمةٍ تدبُّ على وجه الأرض إلا هي في قبضته وتحت قهره، والأخذُ بالناصية تمثيلٌ للملك والقهر، والجملةُ تعليلٌ لقوة توكله على الله وعدم مبالاته بالخلق ﴿إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي إن ربي عادل، يجازي المحسن بإِحسانه، والمسيء بإساءته، لا يظلم أحداً شيئاً ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ﴾ أي فإن تُعرضوا عن قبول