سرها، فقبل موسى شرطه رعايةً لأدب المتعلم مع العالم، والمعنى لا تسألني عن شيء مما أفعله حتى أبيّنه لك بنفسي ﴿فانطلقا حتى إِذَا رَكِبَا فِي السفينة خَرَقَهَا﴾ أي انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينة فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر فلما ركبا السفينة عمد الخضر إلى فأس فقلع لوحاً من ألواح السفينة بعد أن أصبحت في لجة البحر ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ أي قال له موسى مستنكراً: أخرقت السفينة لتغرق الركاب؟ ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾ أي فعلت شيئاً عظيماً هائلاً، يروى أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخرق ثم قال للخضر: قومٌ حملونا بغير أجرٍ عمدتَ إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهل السفينة لقد فعلت أمراً منكراً عظيماً!! ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ أي ألم أخبرك من أول الأمر أنك لا تصبر على ما ترى من صنيعي؟ ذكَّره بلطفٍ في مخالفته الشرط ﴿قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ أي لا تؤاخذني بمخالفتي الشرط ونسياني العهد ﴿وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً﴾ أي لا تكلفني مشقةً في صحبتي إياك وعاملني باليُسر لا بالعُسر ﴿فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ﴾ أي فقبل عذره وانطلقا بعد نزولهما من السفينة يمشيان فمرَّا بغلمانٍ يلعبون وفيهم غلام وضيء الوجه جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده ثم رماه في الأرض ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ أي قال موسى: أقتلت نفساً طاهرةً لم ترتكب جرماً ولم تقتل نفساً حتى تقتل به ﴿لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً﴾ أي فعلت شيئاً منكراً عظيماً لا يمكن السكوت عنه.
. لم يكن موسى ناسياً في هذه المرة ولا غافلاً ولكنه قاصدٌ أن يُنكر المنكر الذي لا يصبر على وقوعه بالرغم من تذكره لوعده، وقال هنا ﴿نُّكْراً﴾ أي منكراً فظيعاً وهو أبلغ من قوله ﴿أمْراً﴾ في الآية السابقة، ذكر القرطبي أن موسى عليه السلام لما قال للخضر ﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً﴾ غضب واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه فإذا مكتوب في عظم كتفه كافرٌ لا يؤمن بالله أبداً ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ أي ألم أقل لك أنتَ على التعيين والتحديد لن تستطيع الصبر على ما ترى مني؟ قال المفسرون: وقَّره في الأول فلم يواجهه بكاف الخطاب فلما خالف في الثاني واجهه بقوله ﴿لَّكَ﴾ لعدم العذر هنا، ويعود موسى لنفسه ويجد أنه خالف وعده مرتين، فيندفع ويقطع على نفسه الطريق ويجعلها آخر فرصةٍ أمامه ﴿قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي﴾ أي إن أنكرت عليك بعد هذه المرة واعترضتُ على ما يصدر منك فلا تصحبني معك ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً﴾ أي قد أعذرت إليَّ في ترك مصاحبتي فأنت معذورٌ عندي لمخالفتي لك ثلاث مرات ﴿فانطلقا حتى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعمآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا﴾ أي مشيا حتى وصلا إلى قرية قال ابن عباس: هي انطاكية فطلبا طعاماً وكان أهلها لئاماً لا يطعمون جائعاً، ولا يتسضيفون ضيفاً، فامتنعوا عن إضافتهما أو إطعامهما ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾ أي وجدا في القرية حائطاً مائلاً يوشك أن يسقط ويقع ﴿فَأَقَامَهُ﴾ أي مسحه الخضر بيده فاستقام، وقيل إنه هدمه ثم بناه وكلاهما مرويٌ عن ابن عباس ﴿قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ أي قال له موسى لو أخذت منهم أجراً نستعين به على شراء الطعام! {أنكر عليه موسى صنيع المعروف مع غير أهله، روي أن