المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قصة الخضر أعقبها بقصة ذي القرنين ورحلاته الثلاث إلى المغرب، والشرق، وإلى السَّدين، وبناؤه للسدّ في وجه «يأجوج ومأجوج» وهي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة، وجميعها ترتبط بالعقيدة والإيمان، وهو الهدف الأصيل للسورة الكريمة.
اللغَة: (ذو القرنين) هو الاسكندر المقدوني وهو ملِكٌ صالح أعطي العلم والحكمة، سمي بذي القرنين لأنه ملك مشارق الأرض ومغاربها وكان مسلماً عادلاً قال الشاعر:

قد كان دو القرنين قبلي مسلماً ملكاً علا في الأرض غير مفنَّد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب مُلكٍ من كريم سيد
﴿حَمِئَةٍ﴾ كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء ﴿سَدّاً﴾ السدُّ: الحاجز والحائل بين الشيئين ﴿رَدْماً﴾ الردَّم. السدُّ المنيع وهو أكبر من السدّ لأن الرَّدم ما جعل بعضه على بعض حتى يصبح كالحجاب المنيع قال الحاجز الحصين المتين ﴿زُبَرَ الحديد﴾ قطع الحديد مفردة زُبرة وهي القطعة ﴿الصدفين﴾ جانبا الجبل قال أبو عبيدة: الصَّدف كل بناء عظيم مرتفع ﴿قِطْراً﴾ القِطر: النحاس المذاب ﴿نَقْباً﴾ خرقاً وثقباً ﴿دَكَّآءَ﴾ مدكوكاً مسوَّى بالأرض قال الأزهري: دككته أي دققته ﴿يَمُوجُ﴾ يختلط ويضطرب ﴿الفردوس﴾ قال الفراء: البستان الذي فيه العنب وقال ثعلب: كل بستان يحوَّط عليه فهو فردوس.
سَبَبُ النّزول: أ - قال قتادة: إن اليهود سألوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن ذي القرنين فأنزل الله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين..﴾ الآية.
ب - قال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال يا رسول الله: إني أتصدق، وأصلُ الرحم، ولا أصنع ذلك إلا لله تعالى، فيُذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأُعجب به، فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولم يقل شيئاً فأنزل الله ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً﴾.
التفسِير: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين﴾ أي يسألك اليهود يا محمد عن ذي القرنين ما شأنه؟ وما قصته؟ ﴿قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً﴾ أي قل لهم سأقص عليكم من نبأه وخبره قرآناً ووحياً ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾ أي يسرنا له أسباب الملك والسلطان والفتح والعمران،


الصفحة التالية
Icon