وأعطيناه كل ما يحتاج إليه للوصول إلى غرضه من أسباب العلم والقدرة والتصرف قال المفسرون: ذو القرنين هو «الاسكندر اليوناني» ملكَ المشرق والمغرب فسمي ذا القرنين، وكان ملكاً مؤمناً مكَّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما روي أن الذين ملكوا الأرض أربعة: مؤمنان وكافران، أما المؤمنان فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران فنمرود وبختنصر ﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ أي سلك طريقه الذي يسره الله له وسار جهة المغرب ﴿حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس﴾ أي وصل المغرب ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ أي وجد الشمس تغرب ما ماء وطين - حسب ما شاهد لا حسب الحقيقة - فإن الشمس أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض قال الرازي: إن ذا القرنين لما بلغ أقصى المغرب ولم يبق بعدة شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهذه مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشطَّ وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر ﴿وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً﴾ أي وجد عند تلك العين الحارة ذات الطين قوماً من الأقوام ﴿قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ أي قلنا له بطريق الإلهام: إما أن تقتلهم أو تدعوهم بالحسنى إلى الهداية والإيمان قال المفسرون: كانوا كفاراً فخيَّره الله بين أن يعذبهم بالقتل، أو يدعوهم إلى الإسلام فيُحسن إليهم ﴿قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ أي من أصرَّ على الكفر فسوف نقتله ﴿ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً﴾ أي ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذاباً منكراً فظيعاً في نار جهنم ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً الحسنى﴾ أي وأمّا من آمن بالله وأحسن العمل في الدنيا وقدَّم الصالحات فجزاءه الجنة يتنعَّم فيها ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً﴾ أي نيسر عليه في الدنيا فلا نكلفه بما هو شاق بل بالسهل الميسَّر.
اختار الملك العدل دعوتهم بالحسنى فمن آمن فله الجنة، والمعاملة الطيبة، والمعونة والتيسير، ومن بقي على الكفر فله العذاب والنكال في الدنيا والآخرة ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً﴾ أي سلك طريقاً بجنده نحو المشرق ﴿حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس﴾ أي حتى وصل أقصى المعمورة من جهة الشرق حيث مطلع الشمس في عين الرائي ﴿وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً﴾ أي وجد الشمس تشرقُ على أقوامٍ ليس لهم من اللباس والبناء ما يسترهم من حر الشمس فإذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب تحت الأرض، وإذا غربتْ خرجوا لمكاسبهم قال قتادة: مضى ذو القرنين يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إلاّ من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوماً في أسراب عراة، ليس لهم طعام إلا ما أنضجته الشمس إذا طلعت، حتى إذا زالت عنهم الشمس خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم، وذُكر لنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان ويقال إنهم الزنج ﴿كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً﴾ أي كذلك فعل بأهل المشرق من آمن تركه ومن كفر قتله كما فعل بأهل المغرب وقد أحطنا علماً بأحواله وأخباره، وعتاده وجنوده، فأمرُه من العظمة وكثرة المال بحيث لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً﴾ أي سلك