والجفاف يقال: عتا الشيخ كبر وولّى قال الشاعر:

إنما يُعذر الوليدُ ولا يُعذر من كان في الزَّمان عِتّياً
﴿حَنَاناً﴾ الحنان: الشفقة والرحمةُ والمحبةُ، وأصله من حنين الناقة على ولدها وحنانْيك تريد رحمتك قال طرفة:
أبَا منذر أفنيت فاسْبتق بعضّنا حنانَيْك بعضُ الشر أهونُ من بعض
﴿انتبذت﴾ ابتعدت وتنحَّت ﴿سَوِيّاً﴾ مستوي الخلقة ﴿المخاض﴾ اشتداد وجع الولادة والطلق ﴿سَرِيّاً﴾ السريُّ: النهر والجدول لأن الماء يسري فيه ﴿فَرِيّاً﴾ الفريُّ: العظيم من الأمر.
التفسِير: ﴿كهيعص﴾ حروفٌ مقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن وتقرأ: «كافْ، هَا، يَا، عَيْنْ، صَادْ» ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ﴾ أي هذا ذكرُ رحمةِ ربِّك لعبدِهِ زكريا نقصُّه عليك يا محمد ﴿إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً﴾ أي حين ناجى ربه ودعاه بصوتٍ خفي لا يكاد يسمع قال المفسرون: لأن الإخفاء في الدعاء أدخلُ في الإخلاص وأبعدُ من الرياء ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي﴾ أي دعا في ضراعة فقال يا رب: لقد ضعف عظمي، وذهبتْ قوتي من الكِبر ﴿واشتعل الرأس شَيْباً﴾ أي انتشر الشيب في رأسي انتشار النار في الهشيم ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾ أي لم تخيّب دعائي في وقت من الأوقات بل عودتني الإحسان والجميل فاستجب دعائي الآن كما كنت تستجيبه فيما مضى قال البيضاوي: هذا توسلٌ بما سلف له من الاستجابة، وأنه تعالى عوَّده بالإجابة وأطعمه فيها، ومن حقّ الكريم أن لا يخيَّب من أطمعه ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي﴾ أي خفت بني العم والعشيرة من بعد موتي أن يضيّعوا الدين ولا يُحسنوا وراثة العلم والنبوة ﴿وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً﴾ أي لا تلد لكبر سنها أو لم تلدْ قطُّ ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً﴾ أي فارزقني من محض فضلك ولداً صالحاً يتولاني ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ أي يرثني ويرث أجداده في العلم والنبوة قال البيضاوي: المراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورّثون المال ﴿واجعله رَبِّ رَضِيّاً﴾ أي أجعله يا رب مرضياً عندك قال الرازي: قدًَّم زكريا عليه السلام على طلب الولد أموراً ثلاثة: أحدها: كونه ضعيفاً، والثاني: أن الله ما ردَّ دعاءه البتة، والثالث: كون المطلوب بالدعاء سبباً للمنفعة في الدين ثم صرَّح بسؤال الولد وذلك مما يزيد الدعاء توكيداً لما فيه من الاعتماد على حول الله وقوته والتبري عن الأسباب الظاهرة ﴿يازكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى﴾ أي نبشرك بواسطة الملائكة بغلامٍ يسمى يحيى كما في آل عمران ﴿فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى﴾
[آل عمران: ٣٩] ﴿لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً﴾ أي لم يسمَّ أحدٌ قبله بيحيى فهو اسم فذٌّ غير مسبوق سمّاه تعالى به ولم يترك تسميته لوالديه وقال مجاهد: ليس له شبيه في الفضل والكمال ﴿قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ﴾ أي كيف يكون لي غلام؟ وهو استفهام تعجب وسرور بالأمر العجيب ﴿وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً﴾ أي والحال أن أمرأتي كبيرة السن لم تلد في شبابها فكيف وهو الآن عجوز!! ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً﴾ أي


الصفحة التالية
Icon