ذهب الذين يُعاش في أكنافهم وبقيتُ في خَلْف كجلد الأجرب
﴿غَيّاً﴾ : شراً وضلالاً قال أهل اللغة: كل شر عند العرب فهو غي، وكل خير فهو رشاد.
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا؟ فنزلت الآية ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ..﴾ الآية».
التفسِير: ﴿واذكر فِي الكتاب إِبْرَاهِيمَ﴾ أي اذكر يا محمد في الكتاب العزيز خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً﴾ أي ملازماً للصدق مبالغاً فيه، جامعاً بين الصّديقية والنبوة والغرضُ تنبيه العرب إلى فضل إبراهيم الذي يزعمون الانتساب إليه ثم يعبدون الأوثان مع أنه إمام الحنفاء وقد جاء بالتوحيد الصافي الذي دعاهم إليه خاتم المرسلين ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً﴾ أي ناداه متلطفاً بخطابه، مستميلاً له نحو الهداية والإيمان، يا أبتِ لم تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر، ولا يجلب لك نفعاً أو يدفع عنك ضراً؟ ﴿ياأبت إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ العلم مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ كرَّر النصح باللطف ولم يصف أباه بالجهل الشنيع في عبادته للأصنام وإنما ترفق وتلطف في كلامه أي جاءني من العلم بالله ومعرفة صفاته القدسية ما لا تعلمه أنت ﴿فاتبعني أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾ أي اقبل نصيحتي وأطعني أرشدك إلى طريق مستقيم فيه النجاة من المهالك وهو دين الله الذي لا عوج فيه ﴿ياأبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان﴾ أي لا تطع أمر الشيطان في الكفر وعبادة الأوثان ﴿إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيّاً﴾ أي إن الشيطان عاصٍ للرحمن، مستكبر على عبادة ربه، فمن أطاعه أغواه، قال القرطبي: وإنما عبّر بالعبادة عن الطاعة لأن من أطاع شيئاً في معصية الله فقد عبده ﴿ياأبت إني أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرحمن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾ تحذيرٌ من سوء العاقبة والمعنى أخاف أن تموت على كفرك فيحل بك عذاب الله الأليم وتكون قريناً للشيطان بالخلود في النيران قال الإمام الفخر: وإيراد الكلام بلفظ ﴿ياأبت﴾ في كل خطاب دليل على شدة الحب والرغبة في صونه عن العقاب، وإرشاده إلى الصواب، وقد رتَّب إبراهيم الكلام في غاية الحسن، لأنه نبَّهه أولاً إلى بطلان عبادة الأوثان، ثم أمره باتباعه في الاستدلال وترك التقليد الأعمى، ثم ذكَّره بأن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول، ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام مع رعاية الأدب والرفق، وقوله ﴿إني أَخَافُ﴾ دليلٌ على شدة تعلق قلبه بمصالحه قضاءً لحق الأبوَّة ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي ياإبراهيم﴾ أي قال له أبوه آزر: أتارك يا إبراهيم عبادة آلهتي ومنصرفٌ عنها؟ استفهامٌ فيه معنى التعجب والإنكار لإعراضه عن عبادة الأوثان كأن ترك عبادتها لا يصدر عن عاقل قال البيضاوي: قابل أبوه استعطافه ولطفه في الإرشاد بالفظاظه وغلظة العناد، فناداه باسمه ولم يقابل قوله ﴿ياأبت﴾ ب «يا ابني» وقدَّم الخبر وصدَّره بالهمزة لإنكار نفس الرغبة كأنها مما لا يرغب عنها عاقل، ثم هدَّده بقوله ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ﴾ أي لئن لم تترك شتم وعيب آلهتي لأرجمنك بالحجارة ﴿واهجرني مَلِيّاً﴾ أي اهجرني دهراً طويلاً قال السديُّ: أبداً.
. بهذه الجهالة تلقى «آزر»


الصفحة التالية
Icon