ولأنه عانى في الوفاء بالوعد ما لم يعانه غيره من الأنبياء، فمن مواعيده الصبر وتسليم نفسه للذبح فلذلك أثنى الله عليه ﴿وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً﴾ أي جمع الله له بين الرسالة والنبوة قال ابن كثير: وفي الآية دليل على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق لأنه إنما وُصف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة، ومن إسماعيل جاء خاتم المرسلين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بالصلاة والزكاة﴾ أي كان يحث أهله على طاعة الله، وبخاصة الصلاة التي هي عماد الدين، والزكاة التي بها تتحقق سعادة المجتمع ﴿وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً﴾ أي نال رضى الله قال الرازي: وهذا نهاية المدح لأن المرضيَّ عند الله هو الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات ﴿واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً﴾ أي اذكر يا محمد في الكتاب الجليل خبر إدريس إنه كان ملازماً للصدق في جميع أحواله، موحىً إلأيه من الله قال المفسرون: إدريس هو جدُّ نوح، وأول مرسل بعد بعد آدم، وأول من خط بالقلم ولبس المخيط، وكانوا من قبل يلبسون الجلود، وقد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾ أي رفعنا ذكره وأعلينا قدره، بشرف النبوة والزلفى عند الله ﴿أولئك الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين﴾ أي أولئك المذكورون هم أنبياء الله ورسله الكرام، الذين قصصنا عليك خبرهم في هذه السورة - وهم عشرة أولهم زكريا وآخرهم إدريس - وهم الذين أنعم الله عليهم بشرف النبوة ﴿مِن ذُرِّيَّةِءَادَمَ﴾ أي من نسل آدم كإِدريس ﴿وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ كإِبراهيم فإِنه من ذرية سام بن نوح ﴿وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ كإِسماعيل وإِسحاق ويعقوب ﴿وَإِسْرَائِيلَ﴾ أي ومن ذرية إسرائيل وهو «يعقوب» كموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا واجتبينآ﴾ أي وممن هديناهم للإيمان واصطفيناهم لرسالتنا ووحينا ﴿إِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرحمن خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً﴾ أي إذا سمعوا كلام الله سجدوا وبكوا من خشية الله مع ما لهم من علو الرتبة، وسموِّ النفس، والزلفى من الله تعالى، قال القرطبي: وفي الآية دلالة على أن لآيات الرحمن تأثيراً في القلوب ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات﴾ أي جاء من بعد هؤلاء الأتقياء قومٌ أشقياء، تركوا الصلوات وسلكوا طريق الشهوات ﴿فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً﴾ أي سوف يلقون كل شرٍّ وخسارٍ ودمار، قال ابن عباس: عيٌّ وادٍ في جهنم، وإِن أودية جهنم لتستعيذ بالله من حره ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ أي إلا من تاب وأناب وأصلح عمله ﴿فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً﴾ أي فأولئك يُسعدون في الجنة ولا يُنقصون من جزاء أعمالهم شيئاً ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب﴾ أي هي جنات إقامة التي وعدهم بها ربهم فآمنوا بها بالغيب قبل أن يروها تصديقاً بوعده تعالى ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً﴾ أي إن وعده تعالى بالجنة آتٍ وحاصلٌ لا يُخلف ﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً﴾ أي لا يسمعون في الجنة شيئاً من فضول الكلام، لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم على وجه التحية والإكرام، والاستثناء منقطع ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ أي ولهم ما يشتهون في الجنة من أنواع المطاعم والمشارب بدون كدٍّ ولا تعب، ولا نتغصٍ ولا انقطاع {تِلْكَ الجنة التي نُورِثُ مِنْ