والجثوُّ حواليها، وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى جنة بعد نجاتهم، ويبقى الفجرة فيها على هيئاتهم ﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بينات﴾ أي وإذا قرئت على المشركين آيات القرآن المبين، واضحات الإعجاز، بينات المعاني ﴿قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ أي قال الكفرة المترفون لفقراء المؤمنين أيُّ الفريقين: - نحن أو أنتم - أحسنُ مسكناً، وأطيب عيشاً، وأكرم منتدى ومجلساً؟ قال البيضاوي: إن المشركين لما سمعوا الآيات الواضحات وعجزوا عن معارضتها، أخذوا في الافتخار بما لهم من حظوظ الدنيا، والاستدلال بزيادة حظهم فيها على فضلهم وحسن حالهم لقصور نظرهم، فردَّ الله عليهم بقوله ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً﴾ أي وكثير من الأمم المكذبين بآياتنا أهلكناهم بكفرهم كانوا أكثر من هؤلاء متاعاً، وأجمل صورةً ومنظراً، فكما أهلكنا السابقين نهلك اللاحقين، فلا يغترُّ هؤلاء بما لديهم من النعيم والمتاع ﴿قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أنهم على حق: من كان في الضلالة منا ومنكم فليمهله الرحمن فيما هو فيه، وليدعْه في طغيانه، حتى يلقى ربه وينقضي أجله قال القرطبي: وهذا غايةٌ في التهديد والوعيد ﴿حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ﴾ أي حتى يروا ما يحلُّ بهم من وعد الله ﴿إِمَّا العذاب وَإِمَّا الساعة﴾ أي إمَّا عذاب الدنيا بالقتل والأسر، أو عذاب الآخرة بما ينالهم يوم القيامة من الشدائد والأهوال ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً﴾ أي فسيعلمون عندئذ حين تنكشف الحقائق أي الفريقين شرٌّ منزلة عند الله، وأقل فئة وأنصاراً، هل هم الكفار أم المؤمنون؟ وهذا في مقابلة قولهم ﴿خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ ﴿وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى﴾ أي ويزيد الله المؤمنين المهتدين، بصيرةً وإيماناً وهداية ﴿والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً﴾ أي والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها ذخراً في الآخرة خير عند الله من كل ما يتباهى به أهل الأرض من حيث الأجر والثواب ﴿وَخَيْرٌ مَّرَدّاً﴾ أي وخير رجوعاً وعاقبة، فإن نعيم الدنيا زائل ونعيم الآخرة باقٍ دائم ﴿أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً﴾ نزلت في العاص بن وائل، والاستفهام للتعجب أي تعجَّب يا محمد من قصة هذا الكافر الذي جحد بآيات الله وزعم أن الله سيعطيه في الآخرة المال والبنين ﴿أَطَّلَعَ الغيب﴾ أي هل اطَّلع على الغيب الذي تفرَّد به علاّم الغيوب؟ ﴿أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً﴾ أي أم أعطاه الله عهداً بذلك فهو يتكلم عن ثقةٍ ويقين؟ ﴿كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ ردٌّ عليه، ولفظةُ «كلا» للردع والزجر أي ليرتدع ذلك الفاجر عن تلك المقالة الشنيعة فسنكتب ما يقول عليه ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً﴾ أي سنزيد له في العذاب ونطيله عليه جزاء طغيانه واستهزائه، ونضاعف له مدد العذاب مكان الإمداد بالمال والولد ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً﴾ أي ونرثه وما يخلفه من المال والولد بعد إهلاكه، ويأتينا وحيداً لا مال معه ولا ولد، ولا نصير له ولا سند ﴿واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً﴾ أي واتخذ المشركون أصناماً عبدوها من دون الله لينالوا بها العزَّ والشرف {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ


الصفحة التالية
Icon