قريش: ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى فنزلت هذه الآية ﴿إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يخشى﴾ أي ما أنزلناه إلا عظة وتذكيراً لمن يخشى الله ويخاف عقابه، وهو المؤمنُ المستنير بنور القرآن ﴿تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأرض والسماوات العلى﴾ أي أنزله خالقُ الأرض، ومبدعُ الكون، ورافع السماوات الواسعة العالية، والآية إخبارٌ عن عظمته وجبروته وجلاله قال في البحر: ووصفُ السماوات بالعُلى دليلٌ على عظمة قدرة من اخترعها إذ لا يمكن وجود مثلها في علُوِّها من غيره تعالى ﴿الرحمن عَلَى العرش استوى﴾ أي ذلك الربُّ الموصوف بصفات الكمال والجمال هو الرحمن الذي استوى على عرشه استواءً يليق بجلاله من غير تجسيمٍ، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تمثيل كما هو مذهب السلف ﴿لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثرى﴾ أي له سبحانه ما في الوجود كلِّه: السماواتُ السبعُ، والأرضون وما بينهما من المخلوقات وما تحت التراب من معادن ومكنونات، الكلُّ ملكُه وتحت تصرفه وقهره وسلطانه أي وإن تجهزْ يا محمد بالقول أو ﴿وَإِن تَجْهَرْ بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى﴾ تخفه في نفسك فسواءٌ عند ربك، فإنه يعلم السرَّ وما هو أخفى منه كالوسوسه والهاجس والخاطر.. والغرضُ من الآية طمأنينه قلبه عليه السلام بأن ربه معه يسمعه، ولن يتركه وحيداً يواجه الكافرين بلا والغرضُ من الآية طمأنينة قلبه عليه السلام بأن ربه معه يسمعه، ولن يتركه وحيداً يواجه الكافرين بلا سند فإذا كان يدعوه جهراً فإنه يعلم السرَّ وما هو أخفى، والقلب حين يستشعر قرب الله منه، وعلمه بسرَّه ونجواه يطمئن ويرضى ويأنس بهذا القرب الكريم ﴿الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسمآء الحسنى﴾ أي ربكم هو الله المتفرد بالوحدانية، لا معبود بحق سواه، ذو الأسماء الحسنة التي هي في غاية الحسن وفي الحديث
«إن للهِ تسعةٌ وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة» ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى﴾ الاستفهام للتقرير وغرضه التشويق لما يُلقى إليه أي هل بلغك يا محمد خبر موسى وقصته العجيبة الغريبة؟ ﴿إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً﴾ أي حين رأى ناراً فقال لامرأته أقيمي مكانك فإني أبصرتُ ناراً قال ابن عباس: هذا حين قضى الأجل وسار بأهله من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق وكانت ليلة مظلمة شاتية فجعل يقدح بالزناد فلا يخرج منها شَررٌ فبينما هو كذلك إذْ بصر بنارٍ من على يسار الطريق، فلما رآها ظنها ناراً وكانت من نور الله ﴿لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ﴾ أي لعلي آتيكم بشعلة من النار تستدفئون بها ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى﴾ أي أجد هادياً يدلني على الطريق ﴿فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ ياموسى إني أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ﴾ أي فلما أتى النار وجدها ناراً بيضاء تتّقد في شجرة خضراء وناداه ربُّه يا موسى: إني أنا


الصفحة التالية
Icon