ربُّك الذي أكلمك فاخلع النعلين من قدميك رعايةً للأدب وأَقْبل ﴿إِنَّكَ بالواد المقدس طُوًى﴾ أي فإنك بالوادي المطهَّر المبارك المسمّى طوى ﴿وَأَنَا اخترتك فاستمع لِمَا يوحى﴾ أي اصطفيتك للنبوة فاستمع لما أُوحيه إليك قال الرازي: فيه نهايةُ الهيبة والجلالة فكأنه قال: لقد جاءك أمر عظيم هائل فتأهبْ له واجعل كل عقلك وخاطرك مصروفاً إليه ﴿إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني﴾ أي أنا الله المستحق للعبادة لا إله غيري فأفردني بالعبادة والتوحيد ﴿وَأَقِمِ الصلاة لذكري﴾ أي أقم الصلاة لتذكرني فيها قال مجاهد: إذا صلّى ذكر ربه لاشتمالها على الأذكار وقال الصاوي: خصَّ الصلاة بالذكر وإن كانت داخلةً في جملة العبادات لعظم شأنها، واحتوائها على الذكر، وشغل القلب واللسان والجوارح، فهي أفضل أركان الدين بعد التوحيد ﴿إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ أي إن الساعة قادمة وحاصلةٌ لا محالة أكاد أخفيها عن نفسي فكيف أطلعكم عليها؟ قال المبرَّد: وهذا على عادة العرب فإنهم يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء: كتمته حتى من نفسي أي لم أطلع عليه أحداً ﴿لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى﴾ أي لتنال كلُّ نفس جزاء ما عملت من خير أو شر قال المفسرون: والحكمة من إخفائها وإخفاء وقت الموت أن الله تعالى حكم بعدم قبول التوبة عند قيام الساعة وعند الاحتضار، فلو عرف الناس وقت الساعة أو وقت الموت، لاشتغلوا بالمعاصي ثم تابوا قبل ذلك، فيتخلصون من العقاب، ولكنَّ الله عمَّى الأمر، ليظلَّ الناس على حذر دائم، وعلى استعداد دائم، من أن تبغتهم الساعة أو يفاجئهم الموت ﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا﴾ أي لا يصرفنَّك يا موسى عن التأهب للساعة والتصديق بها من لا يوقن بها ﴿واتبع هَوَاهُ﴾ أي مالَ مع الهوى وأقبل على اللذائذ والشهوات ولم يحسب حساباً لآخرته ﴿فتردى﴾ أي فتهلك فإن الغفلة عن الآخرة مستلزمة للهلاك ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى﴾ أي وما هذه التي بيمينك يا موسى؟ أليست عصا؟ والغرضُ من الاستفهام التقريرُ والإِيقاظُ والتنبيهُ إلى ما سيبدوا من عجائب صنع الله في الخشبة اليابسة بانقلابها إلى حية، لتظهر لموسى القدرة الباهرة، والمعجزة القاهرة قال ابن كثير: إنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي أمَا هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها؟ فسترى ما نصنع بها الآن؟ ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ أي أعتمد عليها في حال المشي ﴿وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي﴾ أي أهزُّ بها الشجرة وأضرب بها على الأغصان ليتساقط ورقها فترعاه غنمي ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى﴾ أي ولي فيها مصالح ومنافع وحاجات أُخَر غير ذلك قال المفسرون: كان يكفي أن يقول هي عصاي ولكنه زاد في الجواب لأن المقام مباسطة وقد كان ربه يكلمه بلا واسطة، فأراد أن يزيد في الجواب ليزداد تلذذاً بالخطاب، وكلام الحبيب مريحٌ للنفس ومُذْهبٌ للعَناء ﴿قَالَ أَلْقِهَا ياموسى﴾ أي اطرح هذه العصا التي بيدك يا موسى لترى من شأنها ما ترى! ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى﴾ أي فلما ألقاها