صارت في الحال حية عظيمة تنتقل وتتحرك في غاية السرعة قال ابن عباس: انقلبت ثعباناً ذكراً يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شيء خافه ونفر منه وولّى هارباً قال المفسرون: لما رأى هذا الأمر العجيب الهائل، لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف، لا سيما هذا الأمر الذي يذهب بالعقول، وإنما أظهر له هذه الآية وقت المناجاة تأنيساً له بهذه المعجزة الهائلة حتى لا يفزع إذا ألقاها عند فرعون لأنه يكون قد تدرَّب وتعوَّد ﴿قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ﴾ أي قال له ربه: خذْها يا موسى ولا تخفْ منه ﴿سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى﴾ أي سنعيدها إلى حالتها الأولى كما كانت عصا لا حيَّة، فأمسكها فعادت عصا ﴿واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء﴾ أي أدخل يدك تحت إِبطك صم أخرجاها تخرج نيِّرة مضيئة كضوء الشمس والقمر من غير عيب ولا برص قال ابن كثير: كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها تخرج تتلألأ كأنها فلقة القمر من غير برصٍ ولا أذى ﴿آيَةً أخرى﴾ أي معجزة ثانية غير العصا ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى﴾ أي لنريك بذلك بعض آياتنا العظيمة.
. أراه الله معجزتين «العصا، واليد» وهي ما أيَّده الله به من المعجزات الباهرة، ثم أمره أن يتوجه إلى فرعون رأس الكفر والطغيان ﴿اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى﴾ أي إذهب بما معك من الآيات إلى فرعون إِنه تكبَّر وتجبَّر وجاوز الحدِّ في الطغيان حتى ادَّعى الألوهية ﴿قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي﴾ أي وسِّعه ونوِّره بالإيمان والنُبوّة ﴿وَيَسِّرْ لي أَمْرِي﴾ أي سهّلْ عليَّ القيام بما كلفتني من أعباء الرسالة والدعوة ﴿واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي﴾ أي حلَّ هذه اللُّكنة الحاصلة في لساني حتى يفهموا كلامي قال المفسرون: عاش موسى في بيت فرعون فوضعه فرعون مرة في حِجْرهِ وهو صغير فجرَّ لحية فرعون بيده فهمَّ بقتله، فقالت له آسية: إنه لا يعقل وسأريك بيان ذلك، قدّمْ إليه جمرتين ولؤلؤتين، فإن أخذ اللؤلؤة عرفت أنه يعقل، وإن أخذ الجمرة عرفت أنه طفل لا يعقل، فقدَّم إليه فأخذ الجمرة فجعلها في فيه فكان في لسانه حَبْسة ﴿واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي﴾ أي اجعل لي معيناً يساعدني ويكون من أهلي وهو أخي هارون ﴿اشدد بِهِ أَزْرِي﴾ أي لتقوِّي به يا رب ظهري ﴿وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي﴾ أي أجعله شريكاً لي في النبوة وتبليغ الرسالة ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً﴾ أي كي نتعاون على تنزيهك عما لا يليق بك ونذكرك بالدعاء والثناء عليك ﴿إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً﴾ أي عالماً بأحوالنا لا يخفى عليك شيء من أفعالنا، طلب موسى من ربه أن يعينه بأخيه يشدُّ به أزره، لما يعلم منه من فصاحة اللسان، وثبات الجنَان، وأن يشركه معه في المهمة لما يعلم من طغيان فرعون وتكبره وجبروته ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى﴾ أي أُعطيت ما سألتَ وما طلبتَ، ثم ذكّر تعالى بالمنن العظام عليه ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أخرى﴾ أي أنعمنا عليك يا موسى بمنَّة أخرى غير هذه المنة ﴿إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى﴾ أي ألهمنا ما يُلهم ممّا كان سبباص في نجاتك ﴿أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم﴾ أي ألهمناها أن ألْقِ هذا لاطفل في الصندوق ثم اطرحيه في نهر النيل، ثم ماذا؟ ومن يتسلمه؟ ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ﴾ أي