المنَاسَبَة: لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن قصة موسى وفرعون، وتشير الآيات هنا إلى عناية الله تعالى بموسى وقومه، وإنجائهم وإهلاك عدوهم، وتذكّرهم بنعم الله العظمى ومنته الكبرى على بني إسرائيل، وما وصّاهم به من المحافظة على شكرها وتحذيرهم من التعرض لغضب الله بكفرها، ثم تذكر الآيات انتكاس بين إسرائيل بعبادتهم العجل، وقد طوى هنا ما فصَّل في آيات أخر.
اللغَة: ﴿دَرَكاً﴾ لَحاقاً مصدر أدركه إذا لحقه ﴿تَطْغَوْاْ﴾ الطغيان: مجاوزة الحدِّ إلى ما لا ينبغي ﴿هوى﴾ صار إلى الهاوية وهي قعر النار من هوى يهوي إذا سقط من علوِ إلى سفل ﴿بِمَلْكِنَا﴾ الملك: بفتح الميم وسكون اللام: الطاقةُ والقدرة ومعناه بأمرٍ كنا نملكه من جهتنا ﴿أَوْزَاراً﴾ أثقالاً ومنه سمي الذنب وزراً لأنه يثقل الإنسان ﴿خُوَارٌ﴾ الخُوار: صوت البقر ﴿يَبْنَؤُمَّ﴾ أي يا ابن أمي واللفظة تدل على الاستعطاف ﴿سَوَّلَتْ﴾ حسَّنت وزيَّنت.
التفسِير: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ أي أوحينا إلى موسى بعد أن تمادى فرعون في الطغيان أنْ سرْ ببني إسرائيل ليلاً من أرض مصر ﴿فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً﴾ أي اضرب البحر بعصاك ليصبح لهم طريقاً يابساً يمرون عليه ﴿لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى﴾ أي لا تخاف لحافاً من فرعون وجنوده، ولا تخشى الغرق في البحر ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ﴾ أي فلحقهم فرعون مع جنوده ليقتلهم فأصابهم من البحر ما أصابهم، وغشيهم من الأهوال ما لا يعلم كُنهه إلا الله، والتعبير يفيد التهويل لما دهاهم عند الغَرق ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى﴾ أي أضلهم عن الرشد وما هداهم إلى خيرٍ ولا نجاة، وفيه تهكم بفرعون في قوله ﴿وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد﴾ [غافر: ٢٩] ﴿يابني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ﴾ خطابٌ لبين إسرائيل بعد خروجهم من البحر وإغراق فرعون وجنوده والمعنى اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي العظيمة عليكم حين نجيتكم من فرعون وقومه الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب ﴿وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن﴾ أي وعدنا موسى للمناجاة وإنزال التوراة عليه جانب طور سيناء الأيمن، وإنما نسبت المواعدة إليهم لكون منفعتها راجعة إليهم إذْ في نزول التوراة صلاحُ دينهم ودنياهم ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى﴾ أي رزقناكم وأنتم في أرض التيه بالمنِّ وهو يشبه العسل، والسلوى وهو من أجود الطيور لحماً تفضلاً منا عليكم.. وفي هذا الترتيب غايةُ الحسن حيث بدأ بتذكيرهم بنعمة الإنجاء، ثم بالنعمة الدينية، ثم بالنعمة الدنيوية ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أي وقلنا لكم كلوا من الحلال اللذيذ الذي أنعمتُ به عليكم ﴿وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ أي لا تحملنكم السعة والعافية على العصيان لأمري فينزل بكم عذابي ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى﴾ أي ومن ينزل عليه غضبي وعقابي فقد هلك وشقي ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى﴾ أي وإني لعظيم المغفرة لمن تاب من الشرك وحيُن إيمانه وعمله، ثم استقام على الهدى والإيمان، وفي الآية ترغيب لمن وقع في وهدة العصيان ببيان المخرج كيلا ييأس ﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى﴾ أيْ أيُّ شيء عجَّل بك عن قومك يا موسى؟ قال الزمخشري: كان موسى قد مضى مع النقباء الذين اختارهم من قومه إلى الطور


الصفحة التالية
Icon