في آثار هذه الأمم البائدة لدلالات وعِبراً لذوي العقول السليمة ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ أي لولا قضاءُ الله بتأخير العذاب عنهم ووقتٌ مسمى لهلاكهم لكان العذاب واقعاً بهم قال الفراء: في الآية تقديم وتأخيرٌ والمعنى ولولا كلمةٌ وأجلٌ مسمَّى لكان لزاماً أي لكان العذاب لازماً لهم، وإنما أخَّره لتعتدل رءوس الآي ﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ أي فاصبر يا محمد على ما تقول هؤلاء المكذبون من قومك ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ أي صلٌ وأنت حامد لربك قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل غروبها صلاة العصر ﴿وَمِنْ آنَآءِ الليل فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار﴾ أي وصلِّ لربك في ساعات الليل وفي أول النهار وآخره ﴿لَعَلَّكَ ترضى﴾ أي لعلَّك تُعطى ما يرضيك قال القرطبي: أكثر المفسرين أن هذه الآية إشارة إلى الصلوات الخمس ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشمس﴾ صلاة الصبح ﴿وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ صلاة العصر ﴿وَمِنْ آنَآءِ الليل﴾ صلاة العشاء ﴿وَأَطْرَافَ النهار﴾ صلاة المغرب والظهر، لأن الظهر في آخر طرف النهار الأول، وغروب الشمس آخر طرف النهار الأخير ﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾ أي لا تنظر إلى ما متعنا به أصنافاً من الكفار من نعيم الدنيا وبهرجها الخادع ﴿زَهْرَةَ الحياة الدنيا﴾ أي زينة الحياة الدنيا ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أي لنبتليهم ونختبرهم بهذا النعيم حتى يستوجبوا العذاب بكفرهم ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى﴾ أي ثواب الله خير من هذا النعيم الفاني وأدوم قال المفسرون: الخطاب للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد به أُمته لأنه عليه السلام كان أزهد الناس في الدنيا وأشدَّ رغبة فيما عند الله ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا﴾ أي وأُمر يا محمد أهلك وأمتك بالصلاة واصبر على أدائها بخشوعها وآدابها ﴿لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ أي لا نكلفك أن ترزق نفسك وأهلك بل نحن نتكفل برزقك وإياهم ﴿والعاقبة للتقوى﴾ أي العاقبة الحميدة لأهل التقوى قال ابن كثير: أي حسن العاقبة وهي الجنة لمن اتقى الله ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ أي قال المشركون هلاّ يأتينا بمعجزة تدل على صدقه؟ ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى﴾ أي أولم يكتفوا بالقرآن المعجزة الكبرى لمحمد عليه السلام المحتوي على أخبار الأمم الماضية؟ والاستفهام للتوبيخ والتقريع قال في البحر: اقترح المشركون ما يختارون على ديدنهم في التعنت فأجيبوا بأن هذا القرآن الذي سبق التبشير به في الكت الإلهية السابقة أعظم الآيات في الإعجاز وهو الآية الباقية إلى يوم القيامة ﴿وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ﴾ أي لو أنا أهلكنا كفار مكة من قبل نزول القرآن وبعثة محمد عليه السلام ﴿لَقَالُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾ أي لقالوا يا ربنا هلاّ أرسلت إلينا رسولاً حتى نؤمن به ونتَّبعه ﴿فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى﴾ أي فنتمسك بآياتك من قبل أن نذلّ بالعذاب ونفتضح على رءوس الأشهاد قال المفسرون: أراد تعالى أن يبيّن أنه لا حجة لأحد على الله بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب فلم يترك لهم حجة ولا عذراً ﴿قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المكذبين كلٌ منا ومنكم منتظر دوائر الزمان ولمن يكون النصر ﴿فَتَرَبَّصُواْ﴾ أمر تهديد أي فانتظروا العاقبة والنتيجة {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ


الصفحة التالية
Icon