المنَاسَبَة: لما بيَّن تعالى أحوال المشركين وأقام الأدلة والبراهين على وحدانية الله وبطلان تعدد الألهة، ذكر هنا أن دعوة الرسل جميعاً إِنما جاءت لبيان التوحيد ثم ذكر بقية الأدلة على قدرة الله ووحدانيته في هذا الكون العجيب.
اللغَة: ﴿رَتْقاً﴾ الرتق: الضمُّ والالتحام وهو ضد الفتق يقال رتقتُ الشيء فأرتق أي التأم ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج ﴿تَمِيدَ﴾ تتحرك وتضطرب ﴿فِجَاجاً﴾ جمع فجّ وهو المسلك والطريق الواسع ﴿يَسْبَحُونَ﴾ يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ تدهشهم وتحيرهم قال الجوهري: بهته بهتاً أخذه بغتة وقال الفراء: بهَته إذا واجهه بشيء يحيّره ﴿يَكْلَؤُكُم﴾ يحرسكم ويحفظكم والكلاءة: الحراسة والحفظ.
سَبَبُ النّزول: مرَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان: هذا نبيُّ بين عبد مناف!! فغضب أبو سفيان وقال: ما تنكر أن يكون لبني عبد منافٍ نبيٌّ؟ فرجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى أبي جهل وقال له: ما أَراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمَّك الوليد بن المغيرة فنزلت ﴿وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً..﴾ الآية.
التفسِير: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ﴾ أي وما بعثنا قبلك يا محمد رسولاً من الرسل ﴿إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ﴾ أي إلا أوحينا إليه أنه لا ربَّ ولا معبود بحق سوى الله ﴿فاعبدون﴾ أي فاعبدوني وحدي وخصوني بالعبادة ولا تشركوا معي أحداً ﴿وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً﴾ أي قال المشركون اتخذ الله من الملائكة ولداً قال المفسرون: هم حيٌّ من خزاعة قالوا: الملائكة بنات الله ﴿سُبْحَانَهُ﴾ أي تنزَّه الله وتقدَّس عما يقول الظالمون ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ أي بل هم عبادٌ مبجَّلون اصطفاهم الله فهم مكرمون عنده في منازل عالية، ومقاماتٍ سامية وهم في غاية الطاعة والخضوع ﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ أي لا يقولون شيئاً حتى يقوله شأنهُم شأن العبيد المؤدبين وهم بطاعته وأوامره يعملون لا يخالفون ربهم في أمرٍ من الأوامر ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي علمه تعالى محيط بهم لا يخفى عليه منهم خافية ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى﴾ أي لا يشفعون يوم القيامة إلا لمن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وهم أهل الإيمان كما قال بن عباس: هم أهل شهادة لا إله إلا الله ﴿وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ أي وهم من خوف الله ورهبته خائفون حذرون لأنهم يعرفون عظمة الله قال الحسن: يرتعدون من خشية الله ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ﴾ أي يقل من الملائكة إني إلهٌ ومعبودٌ مع الله ﴿فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ أي فعقوبته جهنم قال المفسرون: هذا على وجه التهديد وعلى سبيل الفرض والتقدير لأن هذا شرط والشرطُ لا يلزم وقوعه والملائكة معصومون ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظالمين﴾ أي مثل ذلك الجزاء الشديد نجزي من ظلم وتعدى حدود الله ﴿أَوَلَمْ يَرَ الذين كفروا أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ استفهام توبيخ لمن ادعى مع الله آلهة وردٌّ على عبدة الأوثان أي أولم يعلم هؤلاء الجاحدون أن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً ملتصقتين