ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي وأقرَّ الأرض كما هي؟ قال الحسن وقتادة: كانت السماوات والأرض ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء وقال ابن عباس: كانت السماوات رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تُنبت ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ أي جعلنا الماء أصل كل الأحياء وسبباً للحياة فلا يعيش بدونه إنسان ولا حيوان ولا نبات ﴿أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي أفلا يصدّقون بقدرة الله؟ ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ﴾ أي جعلنا في الأرض جبالاً ثوابت لئلا تتحرك وتضطرب فلا يستقر لهم عليها قرار ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أي وجعلنا في هذه الجبال مسالك وطرقاً واسعة كي يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار قال ابن كثير: جعل في الجبال ثُغراً يسكلون فيها طرقاً من قطر إلى قطر، وإقليم إلى إقليم، كما هو المشاهد في الأرض يكون الجبل حائلاً بين هذه البلاد وهذه فيجعل الله فيها فجوةً ليسلك الناس فيها من هاهنا إلى هاهنا ﴿وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾ أي جعلنا السماء كالسقف للأرض محفوظة من الوقوع والسقوط وقال ابن عباس: حفظت بالنجوم من الشياطين ﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ أي والكفار عن الآيات الدالة على وجود الصانع وقدرته من الشمس والقمر والنجوم وسائر الأدلة والعبر معرضون لا يتفكرون فيما ابدعته يد القدرة من الخلق العجيب والتنظيم الفريد الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة قال القرطبي: بيَّن تعالى أن المشركين غفلوا عن النظر في السماوات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها، وما فيها من القدرة الباهرة إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعاً قادراً واحداً يستحيل أن يكون له شريك ﴿وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار والشمس والقمر﴾ أي وهو تعالى بقدرته نوَّع الحياة فجعل فيها ليلاً ونهاراً هذا في ظلامه وسكونه، وهذا بضيائه وأنسه، يطول هذا تارة ثم يقصر أُخرى وبالعكس، وخلق الشمس والقمر آيتين عظيمتين دالتين على وحدانيته ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ أي كلٌّ من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد﴾ أي وما جعلنا لأحدٍ من البشر قبلك يا محمد البقاء الدائم والخلود في الدنيا ﴿أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون﴾ أي فهل إذا متَّ يا محمد سيخلَّدون بعدك في هذه الحياة؟ لا لن يكون لهم ذلك بل كلٌّ إلى الفناء قال المفسرون: هذا ردٌّ لقول المشركين
﴿شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون﴾ [الطور: ٣٠] فأعلم تعالى بأن الأنبياء قبله ماتوا وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا تحفظ دينك وشرعك ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت﴾ أي كل مخلوقٍ إلى الفناء ولا يدوم إلا الحيُّ القيوم ﴿وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً﴾ أي ونختبركم بالمصائب والنِّعم لنرى الشاكرين من الكافر، والصابر من القانط قال ابن عباس: نبتليكم بالشدة والرخاء، ولاصحة والسَّقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال وقال ابن زيد: نختبركم بما تحبون لنرى كيف شكركم، وبما تكرهون لنرى كيف صبركم!! ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ أي وإلينا مرجعكم فنجازيكم بأعمالكم {وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن


الصفحة التالية
Icon