يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً} أي إذا رآك كفار قريش كأبي جهل وأشياعه ما يتخذونك إلاّ مهْزُوءاً به يقولون ﴿أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ استفهام فيه إنكار وتعجيب أي هذا الذي يسب آلهتكم ويُسفّه أحلامكم؟ ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كَافِرُونَ﴾ أي وهم كافرون بالله ومع ذلك يستهزئون برسول الله قال القرطبي: كان المشركون يعيبون من جحد إِلهيةِ أصنامهم وهم جاحدون للإِلهية الرحمن، وهذا غاية الجهل ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾ أي رُكّب الإنسان على العّجلة فخُلق عجولاً يستعجل كثيراً من الأشياء وإن كانت مضرَّة قال ابن كثير: والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلوا ذلك ولهذا قال ﴿سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾ أي سأوريكم انتقامي واقتداري على من عصاني فلا تتعجلوا الأمر قبل أوانه ﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي ويقول المشركون على سبيل الاستهزاء والسخرية: متى هذا العذاب الذي يعدنا به محمد إن كنتم يا معشر المؤمنين صادقين فيما أخبرتمونا به قال تعالى ﴿لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ﴾ أي لو عرف الكافرون فظاعة العذاب حين لا يستطيعون دفع العذاب عن وجوههم وظهورهم لأنه محيط بهم من جميع جهاتهم لما استعجلوا الوعيد قال في البحر: وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف لأنه أبلغ في الوعيد وأهيب وقدَّره الزمخشري بقوله: لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكنَّ جهلهم هو الذي هوَّنه عندهم ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ أي لا ناصر لهم من عذاب الله ﴿بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ﴾ أي بل تأتيهم الساعة فجأة فتدهشهم وتحيرهم ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ أي فلا يقدرون على صرفها عنهم ولا يُمهلون ويُؤخرون لتوبةٍ واعتذار ﴿وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ تسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن استهزاء المشركين أي والله لقد اتستهزئ برسلٍ أولي شأن خطير وذوي عدد كثير من قبلك يا محمد ﴿فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي فنزل وحلَّ بالساخرين من الرسل العذاب الذي كانوا يستهزئون به قال أبو حيان: سلاّه تعالى بأنَّ من تقدَّمه من الرسل وقع من أممهم الاستهزاء بهم، وأن ثمرة استهزائهم جَنَوْها هلاكاً وعقاباً في الدنيا والآخرة فكذلك حال هؤلاء المستهزئين ﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمن﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين من يحفظكم من بأس الرحمن في أوقاتكم؟ ومن يدفع عنكم عذابه وانتقامه إن أراد إنزاله بكم؟ وهو سؤال تقريع وتنبيه كيلا يغْترُّوا بما نالهم من نعم الله ﴿بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ﴾ أي بل هؤلاء الظالمون معرضون عن كلام الله ومواعظه لا يتفكرون ولا يعتبرون ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا﴾ أي ألهم آلهة تمنعهم من العذاب غيرنا؟ ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي لا يقدرون على نصر أنفسهم، فكيف ينصرون عابديهم؟ ﴿وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ﴾ أي وليست هذه الآلهة تستطيع أن تجير نفسها من عذاب الله لأنها في غاية العجز والضغف قال ابن عباس: يُصحبون: يُجارون أي لا يُجيرهم منا أحد لأن المجير صاحب لجاره ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هؤلاء وَآبَآءَهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر﴾ أي