إِتيان الرجال وعمل الفاحشة فلذلك لم يستحيوا حين جاءوا يهرعون لها مجاهرين قال القرطبي: وكان سبب إِسراعهم أن امرأة لوط الكافرة لما رأت الأضياف وجمالهم، خرجت حتى أتت مجلس قومها فقالت لهم: إن لوطاً قد أضاف الليلة فتيةً ما رأيت مثلهم جمالاً فحينئذٍ جاءوا يُهرعون إِليه ﴿قَالَ ياقوم هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ أي قال لهم لوط: هؤلاء نساء البلدة أُزوِّجكم بهن فذلك أطهر لكم وأفضل، وإنما قال بناتي لأن كل نبيٍّ أبٌ لأمته في الشفقة والتربية ﴿فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ أي اخشوا عذاب الله ولا تفضحوني وتهينوني في ضيوفي ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ أي استفهام توبيخ أي أليس فيكم رجل عاقل يمنع عن القبيح؟ ﴿قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ أي قال له قومه: لقد علمت يا لوط ما لنا في النساء من أرب.
وليس لنا رغبة فيهن ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ أي وأنت تعلم غرضنا وهو إِتيان الذكور، صرّحوا له بغرضهم الخبيث قبّحهم الله ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾ أي لو كان لي قوة أستطيع أن أدفع أذاكم بها ﴿أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ أي ألجأ إِلى عشيرة وأنصار تنصرني عليكم، وجواب «لو» محذوف تقديره لبطشتُ بكم وفي الحديث «رحم الله أخي لوطاً لقد كان يأوي إِلى ركنٍ شديد» يريد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن الله كان ناصره ومؤيده، فهو ركنه الشديد وسنده القوي قال قتادة: وذُكر لنا أن الله تعالى لم يبعث نبياً بعد لوط إِلا في منعة من عشيرته، وحين سمع رسل الله تعالى تحسر لوط على ضعفه وانقطاعه من الأنصار ﴿قَالُواْ يالوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يصلوا إِلَيْكَ﴾ أي قالت الملائكة للوط: إِنا رسلُ ربك أُرسلنا لإِهلاكهم وإِنهم لن يصلوا إِليك بضرر ولا مكروه ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل﴾ أي اخرج بهم بطائفةٍ من الليل قال الطبري: أي اخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امرأتك﴾ أي لا ينظر أحدٌ منكم وراءه إِلا امرأتَك فإِنها ستهلك كما هلكوا، نُهوا عن الالتفات لئلا تتفطر أكبادهم على قريتهم قال القرطبي: إِن امرأة لوط لمّا سمعت هدَّة العذاب التفتت وقالت: واقوماه! فأدركها حجر فقتلها ﴿إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ﴾ أي إنه يصيب امرأتك من العذاب ما أصاب قومك ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح﴾ أي موعد عذابهم وهلاكهم الصبحُ ﴿أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ﴾ استعجلهم بالعذاب لغيظه على قومه فقالوا له: أليس وقت الصبح قريباً؟ قال المفسرون: إِن قوم لوط لما سمعوا بالضيوف هرعوا نحوه، فأغلق بابه وأخذ يجادل قومه عنهم من وراء الباب، فتسوروا الجدار، فلما رأت الملائكة ما بلوطٍ من الكرب قالوا يا لوط: افتح الباب ودعنا وإِيّاهم، ففتح الباب فضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم وعموا، وانصرفوا على أعقابهم يقولون: النجاءَ، النجاء كما قال تعالى
﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ﴾ [القمر: ٣٧] ثم إن لوطاً سرى بمن معه قبل الفجر، ولما حان وقت عذابهم أمر الله جبريل فاقتلع مَدائن قوم لوط - وهي خمسٌ - من تخوم الأرض حتى أدناها من السماء بما فيها، حتى سمع أهل السماء صراخ الديكة، ونباح الكلاب، ثم أرسلها مقلوبة وأتبعهم الله بالحجارة ولهذا قال تعالى ﴿فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ أي فلما


الصفحة التالية
Icon