وقومه المشركين ما هذه الأصنام التي أنتم مقيمون على عبادتها؟ وفي قوله ﴿مَا هذه التماثيل﴾ تحقيرٌ لها وتصغيرٌ لشأنها وتجاهل بها مع علمه بتعظيمهم لها ﴿قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ أي نعبدها تقليداً لأسلافنا قال ابن كثير: لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال ﴿قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي لقد كنتم وأسلافكم الذين عبدوا هذه الأصنام في خطأٍ بيّن بعبادتكم إِياها إِذ هي جمادات لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ﴿قالوا أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين﴾ أي هل أنت جادٌّ فيما تقول أم لاعب؟ وهل قولك حقٌّ أم مزاح؟ استعظموا إِنكاره عليهم، واستبعدوا أن يكون ما هم عليه ضلالاً، وجوَّزوا أن ما قاله على سبيل المزاح لا الجد فأضرب عن قولهم وأخبر أنه جادٌّ فيما قال غير لاعب ﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ﴾ أي ربكم الجدير بالعبادة هو ربُّ السماوات والأرض الذي خلقهنَّ وأبدعهنَّ لا هذه الأصنام المزعومة ﴿وَأَنَاْ على ذلكم مِّنَ الشاهدين﴾ أي وأنا شاهد للَّهِ بالوحدانية بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة كالشاهد الذي تقطع به الدَّعاوى ﴿وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ﴾ أي وأقسمُ بالله لأمكرنَّ بآلهتكم وأحتالنَّ في وصول الضر إليها بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم قال المفسرون: كان لهم عيد يخرجون إليه في كل سنة ويجتمعون فيه فقال آزر لإِبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا! {فخرج معهم إِبراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض وقال إني سقيم أشتكى رجلي فتركوه ومضوا ثم نادى في آخرهم ﴿وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ﴾ فسمعها رجلٌ فحفظها ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً﴾ فسمعها رجلٌ فحفظها أي كسَّر الأصنام حتى جعلها فتاتاً وحُطاماً ﴿إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ﴾ أي إلا الصنم الكبير فإنه لم يكسره قال مجاهد: ترك الصنم الأكبر وعلَّق الفأس الذي كسر به الأصنام في عنقه ليحتجّ به عليهم ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ أي لعلهم يرجعون إلى الصنم فيسألونه عمن كسَّر الأصنام فيتبين لهم عجزه وتقون الحجة عليهم ﴿قَالُواْ مَن فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين﴾ في الكلام محذوفٌ تقديره: فلما رجعوا من عيدهم ونظروا إل آلهتهم ورأوا ما فُعل بها قالوا على جهة البحث والإِنكار والتشنيع والتوبيخ: إِنَّ من حطَّم هذه الآلهة لشديد الظلم عظيم الجرم لجراءته على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ أي قال من سمع إِبراهيم يقول ﴿وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ سمعنا فتى يذكرهم بالذم ويسبُّهم ويعيبهم يسمى إِبراهيم فلعله هو الذي حطَّم الآلهة} ﴿قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ الناس﴾ أي قال نمرود وأشراف قومه أحضروا إِبراهيم بمرأى من الناس حتى يروه، والغرضُ أن تكون محاكمته على رءوس الأشهاد بحضرة الناس كلهم ليكون عقابه عبرة لمن يعتبر ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ أي لعلهم يحضرون عقابه ويرون ما يصنع به ﴿قالوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنَا ياإبراهيم﴾ أي هل أنتَ الذي حطَّمت هذه الآلهة يا إِبراهيم؟ ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ أي قال إِبراهيم بل حطَّمها الصنم الكبير لأنه غضب أن تعبدوا معه هذه الصغار فكسرها، والغرض بتكيتُهم وإِقامة الحجة عليهم ولهذا قال ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ﴾ أي اسألوا هذه الأصنام من كسرها؟ إن كانوا يقدرون على النطق قال القرطبي: والكلام خرج مخرج التعريض وذلك أنهم كانوا