يعبدونهم ويتخذونهم آلهة من دون الله كما قال إِبراهيم لأبيه
﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً﴾ [مريم: ٤٢] فقال إِبراهيم ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ ليقولوا إِنهم لا ينطقون ولا ينفعون ولا يضرون فيقول لهم فلم تعبدونهم؟ فتقوم عليهم الحجة منهم كما يجوز فرض الباطل مع الخصم حتى يرجع إلى الحق من نفسه فإنه أقرب في الحجة وأقطع للشبهة ﴿فرجعوا إلى أَنفُسِهِمْ﴾ أي رجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم ﴿فقالوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظالمون﴾ أي أنتم الظالمون في عبادة ما لا ينطق ﴿ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ﴾ أي أنقلبوا من الإِذعان إلى المكابرة والطغيان ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ﴾ أي قالوا في لجاجهم وعنادهم: لقد علمتَ يا إِبراهيم أن هذه الأَصنام لا تتكلم ولا تجيب فكيف تأمرنا بسؤالها؟ وهذا إِقرار منهم بعجز الآلهة، وحينئذٍ توجهت لإِبراهيم الحجة عليهم فأخذ يوبخهم ويعنّفهم ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ﴾ أي أتعبدون جمادات لا تضر ولا تنفع؟ ﴿أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي قبحاً لكم ونتناً لكم وللأصنام التي عبدتموها من دون الله ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفلا تعقلون قبح صنيعكم؟ ﴿قَالُواْ حَرِّقُوهُ وانصروا آلِهَتَكُمْ﴾ لما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب عدلوا إلى البطض والتنكيل فقالوا: احرقوا إِبراهيم بالنار انتقاماً لآلهتكم ونصرةً لها ﴿إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ أَي إِن كنتم ناصريها حقاً ﴿قُلْنَا يانار كُونِي بَرْداً وسلاما على إِبْرَاهِيمَ﴾ أي ذات بردٍ وسلامة وجاءت العبارةُ هكذا للمبالغة قال المفسرون: لما أرادوا إِحراق إِبراهيم جمعوا له حطباً مدة شهر حتى كانت المرأة تمرض فتنذر إِن عوفيت أن تحمل حطباً لحرق إِبراهيم، ثم جعلوه في حفرة من الأرض وأضرموها ناراً فكان لها لهب عظيم حتى إِن الطائر ليمرُّ من فوقها فيحترق من شدة وهجها وحرها، ثم أوثقوا إِبراهيم وجعلوه في منجنيق ورموه في النار، فجاء إِليه جبريل فال: ألك حاجة؟ قال أمّا إِليك فلا، فقال جبريل: فاسأل ربك، فقال: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» فقال الله: يا نار كوني برداً وسلاماً على إِبراهيم، ولم تحرق النار منه سوى وثاقه وقال ابن عباس: لو لم يقل الله ﴿وسلاما﴾ لآذى إِبراهيم بردها ﴿وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً﴾ أي أرادوا تحريقه بالنار ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين﴾ أي أخسر الناس وأخسر من كل خاسر حيث كادوا لنبيّ اللهِ فردَّ الله كيدهم في نحورهم ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ أي ونجينا إِبراهيم مع ابن أخيه لوط حيث هاجرا من العراق إلى الشام التي بارك الله فيها بالخِصب وكثرة الأَنبياء ووفرة الأنهار والأشجار قال ابن الجوزي: وبركتُها أن الله عزَّ وجل بعث أكثر الأنبياء منها وأكثر فيها الخِصب والأنهار ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ أي أعطينا إِبراهيم - بعدما سأل ربه الولد - إسحاق وأعطيناه كذلك يعقوب نافلةً أي زيادة وفضلاً من غير سؤال قال المفسرون: سأل إِبراهيم ربه ولداً فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة زيادة على ما سأل لأنَّ ولد الولد كالولد ﴿وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ أي وكلاً من إِبراهيم وإِسحاق ويعقوب جعلناه من أهل الخير والصلاح ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ أي جعلناهم قدوةٌ ورؤساء لغيرهم يرشدون الناس إلى الدين بأمر الله {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ


الصفحة التالية
Icon