الأنبياء لأنهم كانوا صالحين يجدّون في طاعة الله ويتسابقون في فعل الطاعات وعمل الصالحات ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً﴾ أي طمعاً ورجاءً في رحمتنا وخوفاً وفزعاً من عذابنا ﴿وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ﴾ أي كانوا متذللن خاضعين لله يخافونه في السر والعلن ﴿والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ أي واذكر مريم البتول التي أعفت نفسها عن الفاحشة وعن الحلال والحرام كقوله ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً﴾ [مريم: ٢٠] قال ابن كثير: ذكر تعالى قصة مريم وابنها عيسى مقرونة بقصة زكريا وابنه حينى لأن تلك مربوطة بهذه فإِنها إِيجاد ولدٍ من شيخ كبير قد طعن في السن وامرأة عجوز لم تكن تلد في حال شبابها، وهذه أعجب فإِنها إِيجاد ولدٍ من أنثى بلا ذكر ولذلك ذكر قصة مريم بعدها ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ أي أمرنا جبريل فنفخ في فتحة درعها - قميصها - فدخلت النفخة إِلى جوفها فحملت بعيسى، وأضاف الروح إِليه تعلى على جهة التشريف ﴿وَجَعَلْنَاهَا وابنهآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي وجعلنا مريم مع ولدها عيسى علامةً وأعجوبة للخلق تدل عدرتنا الباهرة ليعتبر بها الناس ﴿إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي دينكم وملتكم التي يجب ان تكونوا عليها أيها الناس ملةٌ واحدة غير مختلفة وهي ملة الإِسلام، والأنبياء كلهم جاءوا برسالة التوحيد قال ابن عباس: معناه دينكم دينٌ واحد ﴿وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاعبدون﴾ أي وأنا إِلهكم لا برَّ سواي فأفردوني بالعبادة ﴿وتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ أي اختلفوا في الدين وأصبحوا فيه شيعاً وأحزاباً فمن موحّد، ومن يهودي، ونصراني ومجوسّي ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ أي رجوعهم إِلينا وحسابهم علينا قال الرازي: معنى الآية جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قِطعاً كما تتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه تمثيلاً لاختلافهم في الدين وصيرورتهم فرقاً وأحزاباً شتى ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أي من يعمل شيئاً من الطاعات وأعمال البرّ والخير بشرط الإِيمان ﴿فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ أي لا بُطلان لثواب عمله ولا يضيع شيء من جزائه ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ أي نكتب عمله في صحيفته والمراد أمر الملائكة بكتابة أعمال الخلق ﴿وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ قال ابن عباس: أي ممتنعٌ على أهل قرية أهلكناهم أن يرجعوا بعد الهلاك إِلى الدنيا مرة ثانية وفي رواية عنه ﴿أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ أي لا يتوبون قال ابن كثير: والأول أظهر وقال في البحر: المعنى وممتنع على أهل قرية قدرنا إِهلاكهم لكفرهم رجوعهم في الدنيا إِلى الإِيمان إِلى أن تقوم الساعة فحينئذٍ يرجعون ﴿حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ أي حتى إذا فتح سدُّ يأجوج ومأجوج ﴿وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ أي وهم لكثرتهم من كل مرتفع من الأرض ومن كل أكمة وناحية يسرعون لالنزول والمرادُ أن يأجوج ومأجوج لكثرتهم يخرجون من كل طريق للفساد في الأرض ﴿واقترب الوعد الحق﴾ أي اقترب وقت القيامة قال المفسرون: جعل الله خروج يأجوج ومأجوج علماً على قرب الساعة قال ابن مسعود: الساعةُ من الناس بعد يأجوج ومأجوج كالحامل التمتّم لا يدري أهلُها متى تفْجؤهم بولدها ليلاً أو نهاراًً ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الذين كَفَرُواْ﴾ الضمير للقصة والشأن أي فإِذا شأن الكافرين أنَّ أبصارهم شاخصة من هول ذلك اليوم لا تكاد تطرف


الصفحة التالية
Icon