من الحيرة وشدة الفزع ﴿ياويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا﴾ أي ويقولون يا ويلنا أي يا حسرتنا وهلاكنا قد كنا في غفلةٍ تامة عن هذا المصير المشئوم واليوم الرهيب ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أضربوا عن القول السابق وأخبروا بالحقيقة المؤلمة والمعنى لم نكن ف غفلةٍ حيث ذكَّرتنا الرسلُ ونبَّهتنا الآيات بل كنا ظالمين لأنفسنا بالتكذيب وعدم الإِيمان ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي إِنكم أيها المشركون وما تعبدونه من الأوثان والأصنام ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ أي حطب جهنم ووقودها قال أبو حيان: الحَصب ما يحصب به أي يُرمى بهْ في نار جهنم، وقبل أن يُرمى به لا يُطلق عليه حصبٌ إِلا مجازاً ﴿أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ أي أنتم داخلوها مع الأصنام، وإِنما جمع الله الكفار مع معبوداتهم في النار لزيادة غمّهم وحسرتهم برؤيتهم الآلهة التي عبدوها معهم في عذاب الجحيم ﴿لَوْ كَانَ هؤلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾ أي لو كانت هذه الأصنام التي عبدتموها آلهةً ما دخلوا جهنم ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي العابدون والمعبدون كلهم في جهنم مخلَّدون ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ أي لهؤلاء الكفرة في النار زفير وهو صوت النَّفس الذي يخرج من قلب المغموم وهو يشبه أنين المحزون والمكلوم ﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ﴾ أي لا يسمعون في جهنم شيئاً لنهم يُحشرون صُماً كما قال تعالى
﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً﴾ [الإسراء: ٩٧] قال القرطبي: وسماعُ الأشياء فيها روح وأُنس، فمنع الله الكفار ذلك في النار وقال ابن مسعود: إِذا بقي من يُخلَّد في نار جهنم جعلوا في توابيت من نار، فيها مسامير من نار فلا يسمعون شيئاً، ولا يرى أحد منهم أنه يُعذُب في النار غيره ثم تلا الآية ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى﴾ أي سبقت لهم السعادة ﴿أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ أي هم عن النار معبدون لا يصلون حرَّها ولا يذوقون عذابها قال ابن عباس: أولئك أولياء الله يمرون على الصراط مرّاً أسرع من البرق ويبقى الكفار فيها جثياً ﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ أي لا يسمعون حسَّ النار ولا حركة لهبها وصوتها ﴿وَهُمْ فِي مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ أي وهم في الجنة دائمون، لهم فيها تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ أي لا تصيبهم أهوال يوم القيامة والبعث لأنهم في مأمنٍ منها ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الملائكة﴾ أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم قائلين ﴿هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ أي هذا يوم الكرامة والنعيم الذي وعدكم الله به فأبشروا بالهناء والسرور ﴿يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ﴾ أي اذكر يوم نطوي السماء طياص مثل طيّ الصحيفة على ما فيها، فاللام بمعنى «على» ﴿كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾ أي نحشرهم حفاةً عُراةً غُرْلاً على الصورة التي بدأنا خلقهم فيها وفي الحديث «إنكم محشورون إِلى الله حفاةً عُراةً غُرلاً ﴿كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ألا وإِنَّ أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إِبراهيم عليه السلام..» الحديث ﴿وَعْداً عَلَيْنَآ﴾ أي وعداً مؤكداً لا يُخلف ولا يبدّل لازم علينا إِنجازه والوفاء به ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ أي قادرين على ما نشاء، وهو تأكيد لوقوع البعث ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور﴾ أي سجلنا وسطرنا في الزبور المنزل على داود {مِن بَعْدِ