الذكر} أي من بعد ما سطرنا في اللوح المحفوظ أزلاً ﴿أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون﴾ أي أن الجنة يرثها المؤمنون الصالحون قال ابن كثير: أحبر سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الأرض ويُدخلهم الجنة وهم الصالحون وقال القرطبي: أحسن ما قيل فيها أنه يراد به أرض الجنة لأن الأرض في الدنيا قد ورثها الصالحون وغيرهم وهو قول ابن عباس ومجاهد ويدل عليه قوله تعالى ﴿وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض﴾
[الزمر: ٧٤] وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقال مجاهد: الزبور: الكتب المنزلة، والذكرُ أمُّ الكتاب عند الله ﴿إِنَّ فِي هذا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ أي إِنَّ في هذا المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة لكفايةً لقوم خاضعين متذللين لله جل وعلا، المؤثرين لطاعة الله على طاعة الشيطان ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي وما أرسلناك يا محمد إلا رحمة للخلق أجمعين وفي الحديث «إنما أنا رحمةٌ مهداة» فمن قَبِلَ هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ﴿قُلْ إِنَّمَآ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: إِنما أوحى إِليَّ ربي أنَّ إِلهكم المستحق للعبادة إِله واحد أحد فرد صمد ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ استفهام ومعناه الأمر أي فأسلموا له وانقادوا لحكمه وأمره ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أي فإِن أعرضوا عن الإِسلام ﴿فَقُلْ آذَنتُكُمْ على سَوَآءٍ﴾ أي فقل لهم أعلمتكم بالحق على استواءٍ في الإِعلام لم أخصَّ أحداً دون أحد ﴿وَإِنْ أدري أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ أي وما أدري متى يكون ذلك العذاب؟ ولا متى يكون أجل الساعة؟ فهو واقع لا محالة ولكنْ لا علم لي بقربه ولا ببعده ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ أي اللَّهُ هو العلام الذي لا يخفى عليه شيء، يعلم الظواهر والضمائر، ويعلم السرَّ وأخفى، وسيجازي كلاً بعمله ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ﴾ أي وما أدري لعل هذا الإِمهال وتأخير عقوبتكم امتحانٌ لكم لنرى كيف صنيعكم ﴿وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾ أي ولعلَّ هذا التأخير لتستمتعوا إِلى زمنٍ معين ثم يأيكم عذاب الله الأليم ﴿قَالَ رَبِّ احكم بالحق﴾ أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين وافصل بيننا بالحق ﴿وَرَبُّنَا الرحمن المستعان على مَا تَصِفُونَ﴾ أي أستعين بالله على الصبر على تصفونه من الكفر والتكذيب. ختم السورة الكريمة بأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بتفويض الأمر إِليه وتوقع الفرج من عنده، فهو نعم الناصر ونعم المعين.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - التعرض للرحمة بطريق التلطف ﴿وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين﴾ ولم يقل: ارحمني.


الصفحة التالية
Icon