مُّخَلَّقَةٍ} تامة الخِلْقة ﴿بَهِيجٍ﴾ حسن سار للناظر ﴿عِطْفِهِ﴾ العطف: الجانب ومنه قولهم: فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه ويسمى الرداء العِطاف والمعطف لأنه يوضع على الجانبين ﴿العشير﴾ الصاحب والخليل.
التفسِير: ﴿ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ﴾ خطاب لجميع البشر أي خافوا عذاب الله وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وجماع القول في التقوى هو: طاعةُ الله واجتناب محارمه ولهذا قال بعض العلماء: التقوى أن لا يراك حيث نه اك، وأن لا يفقدك حيث أمرك ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ تعليلٌ للأمر بالتقوى أي إن الزلزال الذي يكون بين يدي الساعة أمر أمر عظيم وخطب جسيم لا يكاد يتصور لهوله ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ أي في ذلك اليوم العصيب الذي تشاهدون فيه تلك الزلزلة وترون هول مطلعها ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ أي تغفل وتذهل - مع الدهشة وشدة الفزع - كل أنثى مرضعة عن رضيعها، إذ تنزع ثديها من فم طفلها وتنشغل - لهول ما ترى - عن أحب الناس إليها وهو طفلها الرضيع ﴿وَتَرَى الناس سكارى﴾ أي تراهم كأنهم سكارى يترنحون ترنح السكران من هول ما يدركهم من الخوف والفزع ﴿وَمَا هُم بسكارى﴾ أي وما هم على الحقيقة بسكارى من الخمر ﴿ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ﴾ استدراك لما دهاهم أي ليسوا بسكارى ولكن أهوال الساعة وشدائدها أطارت عقولهم وسلبت أفكارهم فهم من خوف عذاب الله مشفقون ﴿وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي وبعضٌ من الناس من يخاصم وينازع في قدرة الله وصفاته بغير دليل ولا برهان ويقول ما لا خير فيه من الأباطيل قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلاً يثول الملائكة بناتُ الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا بعث بعد الموت قال أبو السعود: والآية عامة له ولأضرابه من العُتاة المتمردين ﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ أي يطيع ويقتدي بكل عاتٍ متمرجد كرؤساء الكفر الصادّين عن الحق ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ﴾ أي حكم الله وقضى أنه من تولى الشيطان واتخذه ولياً ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير﴾ أي فأن الشيطان يفويه ويسوقه إلى عذاب جهنم المستعرة، وعبر بلفظ ﴿وَيَهْدِيهِ﴾ على سبيل التهكم، ولما ذرك تعالى المجادلين في قدرة الله، المنكرين للبعث والنشور ذكر دليلين واضحين على إمكان البعث أحدهما في الإِنسان، والثاني في النبات فقال ﴿ياأيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾ أي إن شككتم في قدرتنا على إحيائكم بعد موتكم فانظروا في أصل خلقكم ليزول ريبكم فقد خلقنا أصلكم «أدم» من التراب، ومن قدر على خلقكم أول مرة قادر على أن يعيدكم ثاني مرة، والذي قدر على إخراج النبات من الأرض، بعد موتها قادر على أن يخرجكم من قبوركم ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ أي ثم جعلنا نسلة من المني الذي ينطف من صلب الرجل قال القرطبي: والنطف: القطر سمي نطفة لقلته ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ وهو الدم الجامد الذي يشبه العلقة التي تظهر حول الأحواض والمياه ﴿ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ﴾ أي من قطعة من لحم مقدار ما يمضغ ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ أي مستبينة الخلق مصورة وغير مصوة قال ابن زيد: المخلقة التي خلق الله فيها الرأس واليدين والرجلين، وغير مخلقة التي لم يخلق فيها شيء ﴿لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ أي