خلقناكم على هاذ النموذج البديع لنبين لكم أسرار قدرتنا وحكمتنا قال الزمخشري: أي لنبين لكم بهذا التدريج قدرتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا، ثم من نطفة ثانياً، ولا تناسب بين التراب والماء، وقدر على ان يجعل النطفة علقة وبينهما تباين ظاهر، ثم يجعل العلقة مضغة والمضغة عظاماً، قادر على إعادة ما بدأه، بل هذا أدخل في القدرة وأهون في القياس ﴿وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَآءُ﴾ أي ونثبت من الحمل في أرحام الأمهات من أردنا أن نُقرَّه فيها حتى يتكامل خلقه ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي إلأى زمن معين هو وقت الوضع ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ أي ثم نخرج هاذ الجنين طفلاً ضعيفاً في بدنه وسمعه وبصره وحواسه، ثم نعطيه القوة شيئاً فشيئاً ﴿ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ﴾ أي كمال قوتكم وعقلكم ﴿وَمِنكُمْ مَّن يتوفى﴾ أي ومنكم من يموت في ريعان شبابه ﴿وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر﴾ أي ومنكم من يعمر حتى يصل إلأى الشيخوخة والهرم وضعف القوة والخرف ﴿لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ أي ليعود إلى ما كان عليه في أوان الطفولة من ضعف البنية، وسخافة العقل، وقلة الفهم، فينسى ما علمه وينكر ما عرفه ويعجز عما قدر عليه كما قال تعالى
﴿وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق﴾ [يس: ٦٨] ﴿وَتَرَى الأرض هَامِدَةً﴾ هذه هي الحجة الثانية على إمكان البعث أي وترى أيها المخاطب أو أيها المجادل الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها ﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ﴾ أي فإذا أنزلنا عليها المطر تحركت بالنبات وانتفخت وزادت وحييت بعد موتها ﴿وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ أي واخرجت من كل صنفٍ عجيب ما يسر الناظر ببهائه ورونقه ﴿ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق﴾ أي ذلك المذكور من خلق الإِنسان والنبات لتعلموا أن الله هو الخالق المدبر وأن ما في الكون من آار قدرته وشاهد بأن الله هو الحق ﴿وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى﴾ أي وبأنه القادر على إحياء الموتى كما أحيا الأرض الميتة بالنبات ﴿وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي وبأنه قادر على ما أراد ﴿وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا﴾ أي وليعلموا أن الساعة كائنة لا شك فيها ولا مرية ﴿وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور﴾ أي يحيي الأموات ويعيدهم بعدما صاروا رمماً، ويبعثهم أحياء إلى موقف الحساب ﴿ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ أي يجادل في شأنه تعالى من غير تمسك بعلمٍ صحيح يهدي إلى المعرفة ولا كتابٍ نير بيّن الحجة بل بمجرد الرأي والهوى قال ابن عطية: كرر هذه على وجه التوبيخ فكأنه يقول: هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان ومن الناس مع ذلك من يجادل في الله بغير دليل ولا برهان ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ أي معرضاً عن الحق لاوياً عنقه كفراً قال ابن عباس: مستكبراً عن الحق إذا دُعي إليه قال الزمخشري: وثنيُ العطف عبارة عن الكِبر والخيلاء فهو كتصعير الخد ﴿لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي ليصُدَّ الناس عن دين الله وشرعه ﴿لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ﴾ أي له هوان وذل في الحياة الدنيا ﴿وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق﴾ أي ونذيقه في الآخرة النار المحرقة ﴿ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ أي ذلك الخزي والعذاب بسبب ما اقترفته من الكفر والضلال ﴿وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ﴾ أي وأن الله عادل لا يظلم أحداً من خلقه ﴿وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ﴾ أي ومن الناس من يعبد الله على جانب وطرفٍ من الدين، وهذا تمثيلُ للمذبذبين الذين لا