إنك لأنت العاقل المتصف بالحلم والرشد؟ قال الطبري: يستهزئون به فإِنهم أعداء الله قالوا له ذلك استهزاءً، وإِنما سفّهوه وجهّلوه بهذا الكلام ﴿قَالَ ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي﴾ أي قال لهم شعيب: أخبروني إِن كنت على برهان من ربي وهو الهداية والنبوة ﴿وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً﴾ أي أعطاني المال الحلال، فقد كان عليه السلام كثير المال قال الزمخشري: والجواب محذوف دل عليه المعنى أي أخبروني إِن كنت على حجة واضحة، ويقين من ربي، وكنتُ نبياً على الحقيقة أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان، والكف عن المعاصي؟ والأنبياء لا يُبعثون إِلا لذلك ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ أي لست أنهاكم عن شيء وأرتكبه وإِنما آمركم بما آمر به نفسي ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح مَا استطعت﴾ أي لا أُريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إِلا إِصلاحكم أمركم بقدر استطاعتي ﴿وَمَا توفيقي إِلاَّ بالله﴾ أي ليس التوفيق إلى الخير إِلا بتأييده سبحانه ومعونته ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أي على الله سبحانه اعتمدت في جميع أموري، وإِليه تعالى أرجع بالتوبة والإِنابة ﴿وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي﴾ أي لا يكسبنكم عداوتي ﴿أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ﴾ أي يصيبكم العذابُ كما أصاب قوم نوح بالغرق، وقوم هود بالريح، وقوم صالح بالرجفة وقال الحسن المعنى: لا يحملنكم معاداتي على ترك الإِيمان فيصيبكم ما أصاب الكفار ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ﴾ أي وما ديار الظالمين من قوم لوطٍ بمكان بعيد، أفلا تتعظون وتعتبرون!؟ ﴿واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ﴾ أي استغفروا ربكم من جميع الذنوب، ثم توبوا إِليه توبةً نصوحاً ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ أي إِنه جل وعلا عظيم الرحمة، كثير الود والمحبة لمن تاب وأناب ﴿قَالُواْ ياشعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ﴾ أي قالوا لنبيّهم شعيب على وجه الاستهانة: ما نفهم كثيراً مما تحدثنا به قال الألوسي: جعلوا كلامه المشتمل على فنون الحِكَم والمواعظ، وأنواع العلوم والمعارف، من قبيل التخليط والهذيان الذي لا يُفهم معناه، ولا يدرك فحواه مع أنه كما ورد في الحديث الشريف (خطيب الأنبياء) ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً﴾ أي لا قوة لك ولا عزَّ فيما بيننا ﴿وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾ أي ولولا جماعتك لقتلناك رمياً بالأحجار ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ أي لستَ عندنا بمكرَّم ولا محترم حتى نمتنع من رجمك ﴿قَالَ ياقوم أرهطي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ الله﴾ ؟ هذا توبيخ لهم أي أتتركوني لأجل قومي ولا تتركوني إعظاماً لجناب الرب تبارك وتعالى؟ فهل عشيرتي أعزّ عندكم من الله وأكرم؟ قال ابن عباس: إِن قوم شعيب ورهطه كانوا أعزَّ عليهم من الله وصغُر شأنُ الله عندهم، عزَّ ربنا وجلَّ ثناؤه ﴿واتخذتموه وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً﴾ أي جعلتم الله خلف ظهوركم لا تطيعونه ولا تعظمونه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يُعبأ به، وهذا مثلٌ قال الطبري: يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل: نبذ حاجته وراء ظهره أي تركها ولم يلتفت إليها ﴿إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ أي إنه جل وعلا قد أحاط علماً بأعمالكم السيئة وسيجازيكم عليها ﴿وياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ﴾ تهديدٌ شديد أي اعملوا على طريقتكم إني عاملٌ على طريقتي كأنه يقول: اثبتوا


الصفحة التالية
Icon