مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا} أي كلما أراد اهل النار الخروج من النار من شدة عمها ردوا إلى أماكنهم فيها قال الحسن: إن النار تضربهم بلهيها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً ﴿وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق﴾ أي ويقال لهم: ذوقوا عذاب جهنم المحرق الذي كنتم فيه تكذبون، ولما ذكر تعالى ما أعد للكفار من العذاب والدمار، ذكر ما أعده للمؤمنين من الثواب والنعيم فقال ﴿إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي يدخل المؤمنين الصالحين في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار العظيمة المتنوعة ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ أي تلبسهم الملائكة في الجنة الأساور الذهبية كحلية وزينة يتزينون بها ﴿وَلُؤْلُؤاً﴾ أي ويحلون باللؤلؤ كذلك إكراماً من الله لهم ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ أي ولباسهم في الجنة الحرير، ولكنه أعلى وأرفع مما في الدنيا بكثير ﴿وهدوا إِلَى الطيب مِنَ القول﴾ أي أرشدوا إلى الكلام الطيب والقول النافع إذ ليس في الجنة لغوٌ ولا كذب ﴿وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد﴾ أي إلى صراط الله وهو الجنة دار المتقين، ثم عدد تعالى بعض جرائم المشركين فقال ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله والمسجد الحرام﴾ أي جحدوا بما جاء به محمد عليه السلام ويمنعون المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام لأداء المناسك فيه قال القرطبي: وذلك حين صدوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن المسجد الحرام عام الحديبية، وإنما قال ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ بصيغة المضارع ليدل على الاستمرار فكأن المعنى: إن الذين كفروا من شأنهم الصد عن سبيل الله ونظيره قوله
﴿الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله﴾ [الرعد: ٢٨] ﴿الذي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد﴾ أي الذي جعلناه منسكاً ومتعبداً للناس جميعاً سواء فيه المقيم والحاضر، والذي يأتيه من خارج البلاد ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ أي ومن يرد فيه سوءاً أو ميلاً عن القصد أو يهم فيه بمعصية ﴿نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي نذقه أشد أنواع العذاب الموجع قال ابن مسعود: لو أن رجلاً بِعدَنَ همَّ بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه الله عذاباً أليماً وقال مجاهد: تُضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البيت﴾ أي واذكر حين أرشدنا إبراهيم وألهمناه مكان البيت ﴿أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً﴾ أي أمرناه ببناء البيت العتيق خالصاً لله قال ابن كثير: أي ابنه على اسمي وحدي ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ والقآئمين والركع السجود﴾ أي طهر بيتي من الأوثان والأقذار لمن يعبد الله فيه بالطواف والصلاة قال القرطبي: والقئمون هم المصلون، ذكر تعالى من أركان الصلاة أعظمها وهو القيام والركوع والسجود ﴿وَأَذِّن فِي الناس بالحج﴾ أي ونادِ في الناس داعياً لهم لحج بيت الله العتيق قال ابن عباس: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: أذن في الناس بالحج، قال يا رب: وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي الإِبلاغ فصعد إبراهيم على جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة، يوجيركم من عذاب النار فحجوا، فأجابه من كان في أصلاب الرجال، وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك ﴿يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ أي يأتوك مشاة على أقدامهم أو ركباناً