على جمل هزيل قد أعبه وأنهكه بعد المسافة ﴿يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ﴾ أي تأتي الإِبل الضامرة من كل طريق بعيد قال القرطبي: ورد الضمير إلى الإِبل ﴿يَأْتِينَ﴾ تكرمةً لها لقصدها الحج مع أربابها كما قال
﴿والعاديات ضَبْحاً﴾ [العاديات: ١] في خلي الجهاد تكرمةً لها حين سعت في سبيل الله ﴿لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ أي يلحضروا منافع لهم كثيرة دينية ودنيوية قال الفخر الرازي: وانما نكَّر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات ﴿وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام﴾ أي ويذكروا عند ذبح الهدايا والضحايا اسم الله في أيام النحر شكراً لله على نعمائه وعلى ما رزقهم وملكهم من الأنعام وهي: الإِبل والبقر والغنم والمعز قال الرازي: وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي ذكر اسمه تعالى عند الذبح وأن يخالف المشركين في ذلك فإنهم كانوا يذبحونها للنصب والأوثان ﴿فَكُلُواْ مِنْهَا﴾ أي كلوا من لحوم الأضاحي ﴿وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير﴾ أي أطعموا منها البائس الذي أصابه بؤس وشدة، والفقير الذي أضعفه الإِعسار قال ابن عباس: البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون كذلك، ثيابه نقية ووجهه وجه غني ﴿ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ﴾ أي ثم بعد الذبح ليزيلوا وسخهم الذي أصابهم بالإِحرام وذلك بالحلق والتقصير وإزالة الشعث وقص الشارب والأظافر ﴿وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ﴾ أي ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر طاعةً لله ﴿وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق﴾ أي ليطوفوا حول البيت العتيق طواف الإِفاضة وهو طاوف الزيارة الذي به تمام التحلل، والعتيق: القديم سمي به لأنه أول بيت وضع للناس ﴿ذلك﴾ أي الأمر والشأن ذلك قال الزخمشري: كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال: هذا وقد كان كذا ﴿وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله﴾ أي من يعظم ما شرعه الله من أحكام الدين ويجتنب المعاصي والمحارم ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ أي ذلك التعظيم خير له ثواباً في الآخرة ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ﴾ أي أحللنا لكم جميع الأنعام إلا ما استثني في الكتاب المجيد كالميتة والمنخنقة وما ذبح لغير الله وغير ذلك ﴿فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان﴾ أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما تجتنب الأنجاس، وهو غاية المبالغة في النهي عن عبادتها وتعظيمها ﴿واجتنبوا قَوْلَ الزور﴾ أي واجتنبوا شهادة الزور ﴿حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ أي مائلين إلى الحق مسلمين لله غير مشركين به أحداً ﴿وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ الطير﴾ تمثيل للمشرك في ضلاله وهلاكه أي ومن أشرك بالله فكأنما سقط من السماء فتخطفه الطير وتمزقه كل ممزق ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ أي أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة ﴿ذلك وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله﴾ أي ذلك ما وضحه الله لكم من الأحكام والأمثال ومن يعظم أمور الدين ومنها أعمالُ الحج والأضاحي والهدايا ﴿فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب﴾ أي فإن تعظيمها من أفعال المتقين لله قال القرطبي: أضاف التقوى إلى القلوب لأن التقوى في القلب وفي الحديث
«التقوى هاهنا» وأشار إلى صدره {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ


الصفحة التالية
Icon