من القنوط، والغرض من الآية إقامة الدليل على كمال قدرته وعلى البعث والنشور فمن قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت ولها قال ﴿وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ ﴿لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي جميع ما في الكون ملكه جل وعلا، خلقاً وملكاً وتصرفاً، والكل محتاج إلى تدبيره وإتقانه ﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني الحميد﴾ أي هو تعالى غني عن الأشياء كلها لا يحتاج لأحد، وهو المحمود في كل حال ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض﴾ تذكير بنعمة أُخرى أي ألم تر أيها العاقل أن الله سخر لعباده جميع ما يحتاجون إليه من الحيوانات والأشجار والأنهار والمعادن ﴿والفلك تَجْرِي فِي البحر بِأَمْرِهِ﴾ أي وسخر السفن العظيمة المثقلة بالأحمال والرجال تسير في البحر لمصالحكم بقدرته ومشيئته ﴿وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض﴾ أي ويمسك بقدرته السماء كي لا تقع على الأرض فيهلك من فيها ﴿إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ أي إلا إذا شاء وذلك عند قيام الساعة ﴿إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ أي وذلك من لطفه بكم ورحمته لكم حيث هيأ لكم أسباب المعاش فاشكروا آلاءه ﴿وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ﴾ أي أحياكم بعد أن كنتم عدماً ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ أي يميتكم عند انتهاء آجالكم ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ أي بعد موتكم للحساب والثواب والعقاب ﴿إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ﴾ أي مبالغ في الجحود لنعم الله قال ابن عباس: المراد بالإِنسان الكافر والغرض من الآيات توبيخ المشركين كأنه يقول: كيف تجعلون لله أنداداً وتعبدون معه غيره وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف! ﴿ {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً﴾ أي لكل نبي من الأنبياء وأمةٍ من الأمم السابقين وضعنا لهم شريعة ومتعباداً ومهاجاً كقوله ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ [المائدة: ٤٨] ﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ أي هم عاملون به أي بذلك الشرع ﴿فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمر﴾ أي لا ينازعك أحدٌ من المشركين فيما شرعتُ لك ولأمتك فقد كانت الشرائع في كل عصر وزمان، وهو نهيٌ يراد به النفي أي لا ينبغي منازعةُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأن الحق قد ظهر بحيث لا يسع النزاع فيه ﴿وادع إلى رَبِّكَ﴾ أي أدعُ الناس إلى عبادة ربك وإلى شريعته السمحة المطهرة ﴿إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي فإِنك على طريق واضحٍ مستقيم، موصل إلى جنات النعيم ﴿وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي وإِن خاصموك بعد ظ هور الحق وقيام الحجة عليهم فقل لهم: الله أعلم بأعمالكم القبيحة وبما تستحقون عليها من الجزاء، وهذا وعيد وإِنذار ﴿الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ أي الله يفصل في الآخرة بين المؤمنين والكافرين فيما كانوا فيه يختلفون من أمر الدين، فيعرفون حينئذٍ الحق من الباطل ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السمآء والأرض﴾ الاستفهام تقريري أي لقد علمت يا محمد أنَّ الله أحاط علمه بما في السماء والأرض فلا تخفى عليه أعمالهم ﴿إِنَّ ذلك فِي كِتَابٍ﴾ أي إن ذلك كله مسطر في اللوح المحفوظ ﴿إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ أي إن حصر المخلوقات تحت علمه وإِحاطته سهلٌ عليه يسيرٌ لديه ثم بيَّن سبحانه ما يقدم عليه الكفار مع عظيم نعمه، ووضوح دلائله فقال ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي ويعبد كفار قريش غير الله تعالى أصناماً لا تنفع ولا تسمع ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾ أي ولا برهان من جهة الوحي والشرع ﴿وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي وما


الصفحة التالية
Icon