أي هم حافظون لفروجهم في جميع الأحوال إِلا من زوجاتهم وإِمائهم المملوكات ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ أي فإنهم غير مؤاخذين ﴿فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذلك﴾ أي فمن طلب غير الزوجات والمملوكات ﴿فأولئك هُمُ العادون﴾ أي هم المعتدون المجاوزون الحدَّ في البغي والفساد ﴿والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ أي قائمون عليها بحفظها وإصلاحها، لا يخونون إِذا ائتمنوا، ولا ينقضون عهدهم إِذا عاهدوا قال أبو حيان: والظاهر عموم الأمانات فيدخل فيها ما ائتمن الله تعالى عليه العبد من قولٍ وفعلٍ واعتقاد، وما ائتمنه الإِنسان من الودائع والأمانات ﴿والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ هذا هو الوصف السادس أي يواظبون على الصلوات الخمس ويؤدونها في أوقاتها قال في التسهيل: فإِن قيل كيف كرّر ذكر الصلوات أولاً وآخراً؟ فالجواب أنه ليس بتكرار، لأنه قد ذكر أولاً الخشوع فيها، وذكر هنا المحافظة عليها فهما مختلفان ﴿أولئك هُمُ الوارثون﴾ أي أولئك الجامعون لهذه الأوصاف الجليلة هم الجديرون بوراثة جنة النعيم ﴿الذين يَرِثُونَ الفردوس﴾ اي الذين يرثون أعالي الجنة، التي تتفجر منها أنهار الجنة وفي الحديث
«إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإِنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة» ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي هم دائمون في ها لا يخرجون منها أبداً، ولا يبغون عنها حولاً.. ثم ذكر تعالى الأدلة والبراهين على قدرته ووحدانيته فقال ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ﴾ اللام جواب قسم أي والله لقد خلقنا جنس الإِنسان من صفوة وخلاصة استلت من الطين قال ابن عباس: هو آدم لأنه انسلَّ من الطين ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾ أي ثم جعلنا ذرية آدم وبنيه منيّاً ينطف من أصلاب الرجال ﴿فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ أي في مستقر متمكن هو الرحم ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً﴾ أي ثم صيَّرنا هذه النطفة - وهي الماء الدافق - دماً جامداً يشبه العلقة ﴿فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً﴾ أي جعلنا ذلك الدم الجامد مضغة أي قطعة لحم لا شكل فيها ولا تخطيط ﴿فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً﴾ أي صيَّرنا قطعة اللحم عظاماً صلبة لتكون عموداً للبدن ﴿فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً﴾ أي سترنا تلك العظام باللحم وجعلناه كالكسوة لها ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ﴾ أي ثم بعد تلك الأطوار نفخنا فيه الروح فصيرناه خلقاً آخر في أحسن تقويم قال الرازي: أي جعلناه خلقاً مبايناً للخلق الأول حيث صار إِنساناً وكان جماداً، وناطقاً وكان أبكم، وسميعاً وكان أصم، وبصيراً وكان أكمه، وأودع كل عضو من أعضائه عجائب فطرة، وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين ﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ أي فتعالى الله في قدرته وحكمته أحسن الصانعين صنعاً ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ﴾ أي ثم إِنكم أيها الناس بعد تلك النشأة والحياة لصائرون إلى الموت ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ﴾ أي تبعثون من قبوركم للحساب والمجازاة، ولما ذكر تعالى الأطوار في خلق الإِنسان وبدايته ونهايته ذكر خلق السماوات والأرض ولكها أدلة ساطعة على وجود الله فقال ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ﴾ أي والله لقد خلقنا فوقكم سبع سماوات، سميت طرائق لأ ن بعضها فوق بعض ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غَافِلِينَ﴾ أي وما كنا مهملين أمر الخلق بل نحفظهم وندبر أمرهم {وَأَنزَلْنَا مِنَ


الصفحة التالية
Icon