السمآء مَآءً بِقَدَرٍ} أي أنزلنا من السحاب القطر والمطر بحسب الحاجة، لا كثيراً فيفسد الأرض، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار ﴿فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض﴾ أي جعلناه ثابتاً مستقراً في الأرض لتنتفعوا به وقت الحاجة ﴿وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ وعيدٌ وتهديدٌ أي ونحن قادرون على إِذهابه بالتغوير في الأرض فتهلكون عطشاً أنتم ومواشيكم قال ابن كثير: لو شئنا لجعلناه إذا نزل يغور في الأرض إلى مدى لا تصلون إِليه ولا تنتفعون به لفعلنا، ولكن بلطفه تعالى ورحمته ينزل عليكم المطر من السحاب عذباً فراتاً، فيسكنه في الأرض، ويسلكه ينابيع فيها فينفتح العيون والأنهار، ويسقى الزروع والثمار، فتشربون منه أنتم ودوابكم وأنعامكم ﴿فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ أي فأخرجنا لكم بذلك الماء حدائق وبساتين فيها النخيل والأعناب ﴿لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ﴾ أي لكم في هذه البساتين أنواع الفواكه والثمار تتفكهون بها ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ أي ومن ثمر الجنات تأكلون صيفاً وشتاءً كالرطب والعنب والتمر والزبيب، وإِنما خصَّ النخيل والأعناب بالذكر لكثرة منافعهما فإِنهما يقومان مقام الطعام، ومقام الإِدام، ومقام الفواكه رطباً ويابساً وهما أكثر فواكه العرب ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ﴾ أي وممَّا أنشأنا لكم بالمء أيضاً شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل الطور وهو الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى ﴿تَنبُتُ بالدهن﴾ أي تُنبت الدهن أي الزيت الذي فيه منافع عظيمة ﴿وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ﴾ أي وإِدام للآكلين سمي صبغاً لأنه يلون الخبز إذا غُمس فيه، جمع الله في هذه الشجرة بين الأُدم والدهن، وفي الحديث
«كلوا الزيت وادهنوا به فإِنه من شجرةٍ مباركة» ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً﴾ أي وإن لكم أيها الناس فيما خلق لكم ربكم من الأنعام وهي «الإِبل والبقر والغنم» لعظةً بالغةً تعتبرون بها ﴿نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا﴾ أي نسقيكم من ألبانها من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ﴿وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ أي ولكم في هذه منافع عديدة: تشربون من ألبانها، وتلبسون من أصوافها وتركبون ظهورها، وتحملون عليها الأحمال الثقال ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ أي وتأكلون لحومها كذلك ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ﴾ أي وتحملون على الإِبل في البر كما تحملون على السُّفن في البحر، فإِنَّ الإِبل سفائن البر كما أن الفلك سفائن البحر.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِخبار بصيغة الماضي لإِفادة الثبوت والتحقق ﴿قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون﴾ كما أنَّ ﴿قَدْ﴾ لإِفادة التحقيق أيضاً.
٢ - التفصيل بعد الإِجمال ﴿الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ..﴾ الخ.
٣ - إ نزال غير المنكر منزلة المنكر ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ﴾ الناس لا ينكرون الموت ولكنَّ غفلتهم عنه وعدم استعدادهم له بالعمل الصالح يعدَّان من علامات الإنكار ولذلك نزلوا منزلة المنكرين وأُلقي الخبر مُؤكداً بمؤكدين «إٍنَّ واللام».
٤ -


الصفحة التالية
Icon