الثلاثة بالذكر لعظم المنافع التي فيها ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ أي قليلاً تشكرون ربكم، و ﴿مَّا﴾ لتأكيد القلة أي ما أقل شكركم لله على كثرة إِفضاله وإِنعامه عليكم؟ ﴿وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض﴾ أي خلقكم وبثكم في الأرض بطريق التناسل ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أي وإِليه وحده تجمعون للجزاء والحساب ﴿وَهُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أي يُحيي الِّمم ويميت الخلائق والأمم ﴿وَلَهُ اختلاف الليل والنهار﴾ أي إِن اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان بفعله سبحانه وحده ليقيم الدلي على وجوده وقدرته ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفليس لكم عقول تدركون بها دلائل قدرته، وآثار قهره، فتعلمون أن من قدر على ذلك ابتداءً، قادرٌ على إِعادة الخلق بعد الفناء؟ ﴿بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون﴾ ﴿بَلْ﴾ للإضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات والعبر، بل قال هؤلاء المشركون - من كفار مكة - مثل ما قال الأمم المتقدمون ﴿قالوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ؟ أي إئذا بلينا وصرنا ذراتٍ ناعمة، وعظاماً نخرة أئنا لمخلوقون ثانية؟ هذا لا يتصور ولا يكون أبداً ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هذا مِن قَبْلُ﴾ أي لقد وعدنا بهذا نحن ومن سبقنا فلم نر له حقيقة ﴿إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين﴾ أي ما هذا إِلا أكاذيب وأباطيل المتقدمين ولما أنكروا البعث والنشور أمر تعالى رسوله أن يفحمهم بالحجة الدامغة التي تقصم ظهر الباطل فقال ﴿قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ﴾ ؟ أي قل يا محمد جواباً لهم عما قالوه: لمن الأرض ومن فيها من المخلوقات؟ ومن مالكها والمتصرف فيها بالإِيجاد والإِفناء؟ ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي إِن كان عندكم علمٌ فأخبروني بذلك، وفيه استهانةٌ بهم وتقريرٌ لجهلهم قال القرطبي: يخبر تعالى في الآية بربوبيته ووحدانيته، وملكه الذي لا يزول، وقدرته التي لا تحول، ودلت هذه الآيات - وما بعدها - على جواز جدال الكفار وإِقامة الحجة عليهم، ونبَّهت على أنَّ من ابتدأ بالخلق والإِيجاد، والإِبداع، هو المستحقُّ للألوهية والعبادة ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ أي فسيقولون الله خالقها وموجدها ولا بدَّ لهم من الاعتراف بذلك ﴿قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ ؟ أي أفلا تعتبرون فتعلمون أن من ابتدأ ذلك قادر على إِعادته؟ ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السماوات السبع وَرَبُّ العرش العظيم﴾ ؟ أي من هو خالق السماوات الطباق بما فيها الشموس، والكواكب والأقمار، ومن هو خالق العرش الكبير الذي تحمله الملائكة الأطهار؟ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ أي سيقولون: اللهُ خالقه وهو لله ﴿قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أي أفلا تخافون من عذابه فتوحّدونه وتتركون عبادة غيره من الأوثان والأصنام ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الملكُوت من صفات المبالغة أي من بيده الملك الواسع التام؟ ومن بيده خزائن كل شيء؟ ومن هو المتصرف في هذه الأكوان بالخلق والإِيجاد والتدبير؟ ﴿وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ أي يحمي من استجار به والتجأ إِليه، ولا يغيث أحدٌ منه أحداً ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي إِن كنتم تعلمون فأخبروني عن ذلك ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ أي سيقولون: الملك كله والتدبيرُ لله جلَّ وعلا ﴿قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ﴾ أي قل لهم: فكيف تُخدعون وتُصرفون عن طاعته وتوحيده مع اعترافكم وعلمكم بأنه وحده المتصرف المالك؟ قال أبو حيان: والسحر هنا مستعار وهو


الصفحة التالية
Icon