ونالكم بسبب ما خضتم فيه من حديث الإِفك ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أي عذاب شديد هائل يُستحقر دونه الجلد والتعنيف قال القرطبي: هذا عتابٌ من الله بليغُ لمن خاضوا في الإِفك، ولكنه برحمته ستر عليكم في الدنيا، ويرحم في الآخرة من أتاه تائباً ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ أي وذلك حين تتلقونه ويأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه قال مجاهد: أي يرويه بعضُكم عن بعض، يقول هذا سمعته من فلان، وقال فلانٌ كذا ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي تقولون ما ليس له حقيقة في الواقع، وإنما هو محض كذبٍ وبهتان ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً﴾ أي وتظنونه ذنباً صغيراً لا يلحقكم فيه إثم ﴿وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ﴾ أي والحال أنه عند الله من أعظم الموبقات والجرائم لأنه وقوع في أعراض المسلمين قال في التسهيل: عابتهم تعالى على ثلاثة أشياء: الأول: تلقيه بالألسنة اي السؤال عنه والثاني: التكلم به والثالث: استصغاره حيث حسبوه هيناً وهو عند الله عظيم، وفائدة قوله بألسنتكم وبأفواهكم الإِشارة إلى أنَّ ذلك الحديث كان باللسان دون القلب لأنهم لم يعلموا حقيقته بقلوبهم ﴿ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا﴾ عتابٌ لجميع المؤمنين أي كان ينبغي عليكم أن تنكروه أول ما سماعكم له وتقولوا لا ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لأحد ﴿سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ أي سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة رسول الله الطاهرة البريئة فإن هذا الافتراء كذبٌ واضح، عظيم الرم قال الزمخشري: هو بمعنى العجب من عظيم الأمر والاستبعاد له، والأصل في ذلك أن يُسبَّح الله عند رؤية العجائب ﴿يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً﴾ أي يذكركم الله ويعظكم بالمواعظ الشافية لكي لا تعودوا إلى مثل هذا العمل أبداً ﴿إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ أي إن كنتم حقاً مؤمنين فإن الإيمان وازع عن مثل البهتان، وفيه حثٌ لهم على الاتعاظ وتهييج ﴿وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات﴾ أي ويوضح لكم الآيات الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب، لتتعظوا وتتأدبوا بها ﴿والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عالم بما يصلح العباد، حكيم في تدبيره وتشريعه ﴿إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة﴾ أي يريدون أن ينتشر الفعل القبيح المفرط في القبح كإشاعة الرذيلة والزنى وغير ذلك من المنكرات ﴿فِي الذين آمَنُواْ﴾ أي في المؤمنين الأطهار ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة﴾ أي لهم عذاب موجع مؤلم في الدنيا فإقامة الحدِّ، وفي الآخرة بعذاب جهنم قال الحسن: عنى بهذا الوعيد واللعن المنافقين فإ نهم أحبوا وقصدوا إذاية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وذلك كفرٌ وملعون صاحبه ﴿والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي هو تعالى عالمٌ بالخفايا والنوايا وأنتم لا تعلمون ذلك قال الإِمام الفخر: وهذه الجملة فيها حسنُ الموقع بهذا الموضع، لأنه محبة القلب كامنةٌ ونحن لا نعلمها إلاّ بالأمارات أما الله سبحانه فهو لا يخفى عليه شيء، فصار هذا الذكر نهايةً في الزجر لأن من أحبَّ إشاعة الفاحشة وإن بالغَ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله تعالى يعلم ذلك منه ويعلم قدر الجزاء عليه ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ جواب ﴿لَوْلاَ﴾ محذوف لتهويل الأمر أي لولا فضله تعالى على عباده ورحمته بهم لأهلكهم وعذَّبهم، وكان


الصفحة التالية
Icon