اليل} أي ساعاتٍ منه قريبةً من النهار، والمراد بهما المغرب والعشاء ﴿إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات﴾ أي إن الأعمال الصالحة ومنها الصلوات الخمس تكفّر الذنوب الصغائر، لحديث
«الصلواتُ الخمسُ كفارةٌ لما بينهما ما اجتُنبت الكبائرُ» قال المفسرون: المراد بالحسنات الصلواتُ الخمسُ واستدلوا على ذلك بسبب النزول، وهذا قول الجمهور، والأظهر أن المراد بها العموم وهو اختيار ابن كثير حيث قال: المعنى إن فعل الخيرات يكفّر الذنوب السالفة كما جاء في الحديث «ما من مسلم يُذنب ذنباً فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غُفر له» ﴿ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ﴾ أي ذلك المذكور من الاستقامة والمحافظة على الصلاة، عظةٌ للمتعظين وإرشادٌ للمسترشدين ﴿واصبر فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ أي اصبر يا محمد على ما تلقى من المكاره ومن أذى المشركين، فإنَّ الله معك وهو لا يضيع ثواب المحسنين ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفساد فِي الأرض﴾ أي فهلاَّ كان من الأمم الماضية قبلكم أُولُو عقل وفضل، وجماعةٌ أخيارٌ ينهون الأشرار عن الإِفساد في الأرض ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ استثناء منقطع أي لكنْ قليلاً منهم، نهَوْا عن الفساد فَنَجَوْا قال في البحر: «لولا» في الآية للتحضيض صحبها معنى التأسف والتفجع مثل قوله ﴿ياحسرة عَلَى العباد﴾ [يس: ٣٠] والغرضُ التأسف على تلك الأمم التي لم تهتد كقوم نوح وعاد وثمود ومن تقدم ذكره ﴿واتبع الذين ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ﴾ أي واتَّبع أولئك الظلمة شهواتهم، وما نُعّموا به من الاشتغال بالمال واللذات وآثروها على الآخرة ﴿وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ أي وكانوا قوماً مصرِّين على الإِجرام ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ أي ما جرت عادة الله تعالى أن يهلك القرى ظلماً وأهلُها مصلحون في أعمالهم، لأنه تعالى منزّه عن الظلم، وإِنما يهلكهم بكفرهم ومعاصيهم ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي لو شاء الله لجعل الناس كلَّهم مؤمنين مهتدين على ملة الإِسلام، ولكنَّه لم يفعل ذلك للحكمة ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ أي ولا يزالون مختلفين على أديان شتى، وملل متعددة ما بين يهودي، ونصراني، ومجوسي، إلا ناساً هداهم الله من فضله وهم أهل الحق ﴿ولذلك خَلَقَهُمْ﴾ اللام لامُ العاقبة أي خلقهم لتكون العاقبة اختلافهم ما بين شقي وسعيد قال الطبري: المعنى وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم، فريق في الجنة، وفريقٌ في السعير ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ﴾ أي تمَّ أمر الله ونفذ قضاؤه بأن يملأ جهنم من الجنّ والإِنس من الكفرة الفجرة جميعاً قال الألوسي: والجملة متضمنة معنى القسم ولذا جيء باللام في ﴿لأَمْلأَنَّ﴾ وكأنه قال: واللهِ لأملأن جهنم من أتباع إِبليس من الإِنس والجن أجمعين ﴿وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ أي كل هذه الأخبار التي قصصناها عليك يا محمد من أخبار الرسل السابقين، إِنما هي بقصد تثبيتك على أداء الرسالة، وتطمين قلبك، ليكون لك بمن مضى من إخوانك المرسلين أسوة فتصبر كما صبروا ﴿وَجَآءَكَ فِي هذه الحق﴾ أي جاءك في هذه الأنباء التي قصها الله عليك النبأ اليقيني الصادق ﴿وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي وجاءك في هذه الأخبار أيضاً ما فيه عظة وعبرة للمعتبرين، وخصَّ المؤمنين بالذكر