ذلك اليوم صعباً شديداً على الكفار قال أبوا حيان: ودل قوله ﴿عَلَى الكافرين﴾ على تيسيره على المؤمنين ففي الحديث «إِنه يهون حتى يكون على المؤمن اخف عليه من صلاةٍ مكتوبة صلاها في الدنيا» ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ﴾ أي واذكر يوم يندم ويتحسر الظالم على نفسه لما فرَّط في جنب الله، وعضُّ اليدين كنايةٌ عن الندم والحسرة، والمراد بالظالم «عُقبة بن أبي معيط» كما في سبب النزول، وهي تعمُّ كل ظالم قال ابن كثير: يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وسلك سبيلاً غير سبيل الرسول، فإِذا كان يوم القيامة ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وسلك سبيلاً غير سبيل الرسول، فإِذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعضَّ على يديه حسرةً وأسفاً، وسواءٌ كان نزولها في «عقبة بن معيط» أو غيره من الأشقياء فإِنها عامةٌ في كل ظالم ﴿يَقُولُ ياليتني اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلاً﴾ أي يقول الظالم يا ليتني اتبعتُ الرسول فاتخذت معه طريقاً إِلى الهدى ينجيني من العذاب ﴿ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً﴾ أي هلاكي وحسرتي يا ليتني لم أصاحب فلاناً واجعله صديقاً لي، ولفظ ﴿فُلاَن﴾ كناية عن الشخص الذي أضلَّه وهو «أُبي بن خلف» قال القرطبي: وكنى عنه ولم يصرّح باسمه ليتناول جميع من فعل مثل فعله ﴿لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي﴾ أي لقد أضلني عن الهدى والإِيمان بعد أن اهتديت وآمنت ثم قال تعالى ﴿وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً﴾ أي يُضله ويُغويه ثم يتبرأ منه وقت البلاء فلا ينقذه ولا ينصره ﴿وَقَالَ الرسول يارب إِنَّ قَوْمِي اتخذوا هذا القرآن مَهْجُوراً﴾ لما أكثر المشركون الطعن في القرآن ضاق صدر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشكاهم إِلى الله والمعنى: قال محمد يا رب إِنَّ قريشاً كذبت بالقرآن ولم تؤمن به وجعلته وراء طهورها متروكاً وأعرضوا عن استماعه قال المفسرون: وليس المقصود من حكاية هذا القول الإِخبار بما قال المشركون بل المقصود منها تعظيم شكايته، وتخويف قومه، لأن الأنبياء إِذا التجأوا إِلى الله وشكوا قومهم حل بهم العذاب ولم يمهلوا ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ المجرمين﴾ أي كما جعلنا لك أعداء من مشركي قومك جعلنا لكل نبي عدواً من كفار قومه، والمراد تسلية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالتأسي بغيره من الأنبياء ﴿وكفى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾ أي وكفى أن يكون ربك يا يمحمد هادياً لك وناصراً لك على أعدائك فلا تبال بمن عاداك ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي وقال كفار مكة ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ أي هلاَّ نزل هذا القرآن على محمد دفعة واحدة كما نزلت التوراة والإِنجيل؟ قال تعالى ردّاً على شبهتهم التافهة ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ أي كذلك أنزلناه مفرقاً لنقوي قلبك على تحمله فتحفظه وتعمل بمقتضى ما فيه ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ أي فصَّلنا تفصيلاً بديعاص قال قتادة: أي بينَّاه وقال الرازي: الترتيلُ في الكلام أن يأتي بعضه على إِثر بعض على تُؤدة وتمهل، وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفلجها وقال الطبري: الترتيلُ في القراءة الترسُّلُ والتثبتُ يقول: علمناكه شيئاً بعد شيء حتى تحفظه ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق﴾ أي ولا يأتيك هؤلاء الكفار بحجةٍ أو شبهةٍ للقدح فيك أو في القرآن إِلاأتيناك يا محمد بالحق


الصفحة التالية
Icon