ضربنا الأمثال في هذا القرآن للناس وبيَّنا فيه الحجج والبراهين ليتفكروا ويتدبروا ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي أبى الكثير من البشر إلا الجحود والتكذيب ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً﴾ أي لو أردنا لخففنا عنك أعباء النبوة فتعثنا في كل أهل قرية نبياً ينذره، ولكنا خصصناك بالبعثة إلأى جميع أهل الأرض إِجلالاً لك، وتعظيماً لشأنك، فقابل هذا الإِجلال بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإِظهار الحق ﴿فَلاَ تُطِعِ الكافرين وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً﴾ أي لا تطع الكفار فيما يدعونك إِليه من الكفّ عن آلهتهم، وجاهدهم بالقرآن جهاداً كبيراً بالغاً نهايته لا يصاحبه فتور ﴿وَهُوَ الذي مَرَجَ البحرين﴾ أي هو تعالى بقدرته خلى وأرسل البحرين متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان ﴿هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾ أي شديد العذوبة قاطع للعطش من فرط عذوبته ﴿وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ أي بليغ الملوحة، مرٌّ شديد المرارة ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً﴾ أي جعل بينهما حاجزاً من قدرته لا يغلب أحدهما على الآخر ﴿وَحِجْراً مَّحْجُوراً﴾ وهذا اختيار ابن جرير وقال الرازي: ووجه الاستدلال هاهنا بيّن لأن الحلاوة والملوحة إِن كانت بسبب طبيعة الأرض أو الماء فلا بدَّ من الاستواء، وإِن لم يكن كذلك فلا بدَّ من قادر حكيم يخص كل واحد بصفة معينة ﴿وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ المآء بَشَراً﴾ أي خلق من النطفة إِنساناً سميعاً بصيراً ﴿فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً﴾ أي قسمهم من نطفةٍ واحدة قسمين: ذوي نسب أي ذكوراً ينسب إليهم لأن النسب إِلى الآباء كما قال الشاعر:
فإِنما أمهاتُ الناس أوعيةٌ | مستودعات وللآباء أبناء |