في النهار، والقمر المضيء بالليل ﴿وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً﴾ أي يخلف كلٌّ منهما الآخر ويتعاقبان، فيأتي النهار بضيائه ثم يعقبه الليل بظلامه ﴿لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ﴾ أي لمن اراد أن يتذكَّر آلاء الله، ويتفكر في بدائع صنعه ﴿أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾ أي أراد شكر الله على إِفضاله ونعمائه قال الطبري: جعل الله الليل والنهار يخلف كل واحدٍ منهما الآخر، فمن فاته شيء من الليل أدركه بالنهار، ومن فاته شيء من النهار أدركه بالليل ﴿وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً﴾ الإِضافة للتشريف أي العباد الذين يحبهم الله وهم جديرون بالانتساب إليه هم الذين يمشون على الأرض في لين وسكينة ووقار، لا يضربون بأقدامهم أشراً ولا بطراً، ولا يتبخترون في مشيتهم ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾ أي وإذا خاطبهم السفهاء بغلظةٍ وجفاءٌ قالوا قولاً يسْلًمون فيه من الإِثم قال الحسن: لا يجهلون على أحد، وإِن جُهل عليهم حَلُموا ﴿وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً﴾ أي يُحيْون الليل بالصلاة ساجدين لله على جباههم، أو قائمين على أقدامهم كقوله ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: ١٧] قال الرازي: لما ذكر سيرتهم في النهار ومن وجهين: ترك الإِيذاء، وتحمل الأذى بيَّن هنا سيرتهم في الليالي وهو اشتغالهم بخدمة الخالق ﴿والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾ أي يدعون ربهم أن ينجيهم من عذاب النار، ويبتهلون إليه أن يدفع عنهم عذابها ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾ أي لازماً دائماً غير مفارق ﴿إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ أي بئست جهنم منزلاً ومكان إقامة قال القرطبي: المعنى بئس المستقر وبئس المقام، فهم مع طاعتهم مشفقون خائفون من عذاب الله، وقال الحسن: خشعوا بالنهار وتعبوا بالليل فرَقاً من عذاب جهنم ﴿والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ﴾ هذا هو الوصف الخامس من أوصاف عباد الرحمن والمعنى: ليسوا مبذرين في إِنفاقهم في المطاعم والمشارب والملابس، ولا مقصِّرين ومضيّقين بحيث يصبحون بخلاء ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ أي وكان إنفاقُهم وسطاً معتدلاً بين الإِسراف والتقتير كقوله تعالى
﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط﴾ [الإسراء: ٢٩] الآية وقال مجاهد: «لو أنفقت مثل جبل أبي قُبيس ذهباً في طاعة الله ما كان سرَفاً» ﴿والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي لا يعبدون معه تعالى إلهاً آخر، بل يوحّدونه مخلصين له الدين ﴿وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾ أي لا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحقُّ أن تُقتل به النفوس من كفرٍ بعد إيمان، أو زنىً بعد إحصان، أو القتل قِصاصاً ﴿وَلاَ يَزْنُونَ﴾ أي لا يرتكبون جريمة الزنى التي هي من أفحش الجرائم ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً﴾ أي ومن يقترف تلك الموبقات العظيمة من الشرك والقتل والزنى يجد في الآخرة النكال والعقوبة ثم فسَّرها بقوله ﴿يُضَاعَفْ لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة﴾ أي يُضاعف عقابُه ويُغلَّظ بسبب الشرك وبسبب المعاصي ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾ أي يُخلد في ذلك العذاب حقيراً ذليلاً أبد الآبدين ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً﴾ أي إلاّ من


الصفحة التالية
Icon