مع المقدرة الكاملة كانت أعظم وقعاً ﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى﴾ أي واذكر يا محمد لأولئك المعرضين المكذبين من قومك حين نادى ربك نبيَّه موسى من جانب الطور الأيمن آمراً له أن يذهب إلى فرعون وملئه ﴿أَنِ ائت القوم الظالمين﴾ أي بأن أئت هؤلاء الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، واستعباد الضعفاء من بني إسرائيل ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ أي هم قوم فرعون، وهو عطف بيان كأن القوم الظالمين وقوم فرعون شيء واحد ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾ ؟ أي ألا يخافون عقاب الله؟ وفيه تعجيب من غلوهم في الظلم وإِفراطهم في العدوان ﴿قَالَ رَبِّ إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾ أي قال موسى يا ربّ إني أخاف أن يكذبوني في أمر الرسالة ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾ أي ويضيق صدري من تكذيبهم أياي ﴿وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي﴾ أي ولا ينطلق لساني بأداء الرسالة على الوجه الكامل ﴿فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ﴾ أي فأرسلْ إلى هارون ليعينني على تبليغ رسالتك قال المفسرون: التمس موسى العذر بطلب المعين بثلاثة أعذار كلُّ واحدٍ منها مرتب على ما قبله وهي: خوف التكذيب، وضيق الصدر، وعدم انطلاق اللسان، فالتكذيبُ سببٌ لضيق القلب، وضيقُ القلب سببٌ لتعسر الكلام، وبالأخص على من كان في لسانه حُبْسه كما في قوله
﴿واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي﴾ [طه: ٢٧ - ٢٨] ثم زاد اعتذاراً آخر بقوله ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾ أي ولفرعون وقومه عليَّ دعوى ذنب وهو أن قتلت منهم قبطياً فأخاف أن يقتلوني به ﴿قَالَ كَلاَّ﴾ أي قال الله تعالى له: كلاّ لن يقتلوك قال القرطبي: وهو ردعٌ وزجر عن هذا الظن، وأمرٌ بالثقة بالله تعالى أي ثقْ بالله وانزجر عن خوفك منهم فإِنهم لا يقدرون على قتلك ﴿فاذهبا بِآيَاتِنَآ﴾ أي اذهب أنت وهارون بالبراهين والمعجزات الباهرة ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ﴾ أي فأنا معكما بالعون والنصرة أسمع ما تقولان وما يجيبكما به، وصيغةُ الجمع «معكم» أريد به التثنية فكأنهما لشرفهما عند الله عاملهما في الخطاب معاملة الجمع تشريفاً لهما وتعظيماً ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين﴾ أي فائتيا فرعو الطاغية وقولا لا: إنا مرسلان من عند رب العالمين إليك لندعوك إلى الهدى ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ﴾ أي أطلقْ بني إسرائيل من إسارك واستعبادك وخلِّ سييلهم حتى يذهبوا معنا إلى الشام ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً﴾ في الكلام حذف يدل عليه المعنى تقديره: فأتياه فبلغاه الرسالة فقال فرعون لموسى عندئذٍ: ألم نربك في منازلنا صبياً صغيراً؟ قصد فرعون بهذا الكلام المنَّ على موسى والاحتقار له كأنه يقول: ألست أنت الذي ربيناك صغيراً وأحسنّا إليك فمتى كان هذا الأمر الذي تدّعيه؟ ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ أي ومكثت بين ظهرانينا سنين عديدة نحسن إليك ونرعاك؟ قال مقاتل: ثلاثين سنة ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ﴾ أي فجازيتنا على أن ربيناك أن كفرت نعمتنا وقتلتَ منا نفساً؟ والتعبيرُ بالفعلة لتهويل الواقعة وتعظيم الأمر، ومرادُه قتل القبطي ﴿وَأَنتَ مِنَ الكافرين﴾ أي وأنت من الجاحدين لإِنعامنا الكافرين بإِحساننا قال ابن عباس: من الكافرين لنعمتي إذ لم يكن فرعون يعلم ما الكفر ﴿قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين﴾ أي قال موسى: فعلتُ تلك الفعلة وأنا من المخطئين لأنني لم


الصفحة التالية
Icon