أشدَّ من القتل قال في التسهيل: لما أظهر فرعونُ الجهل بالله فقال ﴿وَمَا رَبُّ العالمين﴾ أجابه موسى بقوله ﴿رَبُّ السماوات والأرض﴾ فقال ﴿أَلاَ تَسْتَمِعُونَ﴾ ؟ تعجباً من جوابه، فزاد موسى في إقامة الحجة بقوله ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين﴾ لأن وجود الإِنسان وآبائه أظهرُ الأدلة عند العقلاء، وأعظم البراهين، فإِن أنفسهم أقرب الأشياء إليهم فيستدلون بها وجود خالقهم، فلما ظهرت هذه الحجة حاد فرعون عنها ونسب موسى إلى الجنون مغالطةً منه، وأيّده بالازدراء والتهكم في قوله ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ فزاد موسى في إقامة الحجة بقوله ﴿قَالَ رَبُّ المشرق والمغرب﴾ لأن طلوع الشمس وغروبها آية ظاهرة لا يمكن أحداً جحدها ولا أن يدعيها لغير الله، فلما انقطع فرعون بالحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب فهدَّده بالسجن، فأقام موسى عليه الحجة بالمعجزة وذكرها له بتلطف طمعاً في إِيمانه ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾ أي أتسجنني ولو جئتك بأمرٍ ظاهرٍ، وبرهان قاطع تعرف به صدقى؟ ﴿قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ أي فائت بما تقول إن كنت صادقاً في دعواك ﴿فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ أي رمى موسى عصاه فإذا هي حية عظيمة في غاية الجلاء والوضوح، ذات قوائم وفم كبير وشكل هائل مزعج ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ أي وأخرج يده من جيبه فإِذا هي تتلألأ كالشمس الساطعة، لها شعاع يكادُ يعشي الأبصار ويسدُّ الأفق ﴿قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ أي قال فرعون لأشراف قومه الذين كانوا حوله: إن هذا لساحرٌ عظيم بارعٌ في فنِّ السحر.
. أراد أن يُعمِّي على قومه تلك المعجزة برمية بالسحر خشية أن يتأثروا بما رأوا ﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ﴾ أي يريد أن يستولي على بلادكم بسحره العظيم ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ أي فأي شيء تأمروني وبما تشيرون عليَّ أن أصنع به؟ لما رأى فرعون تلك الآيات الباهرة خاف على قومه أن يتبعوه، فتنزَّل إلأى مشاورتهم بعد أن كان مستبدأ بالرأي والتدبير ﴿قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ أي أخِّرْ أمرهما ﴿وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ﴾ أي وأرسل في أطراف مملكتك من يجمع لك السحرة من كل مكان ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ أي يجيئوك بكل ساحر ماهرٍ، عليم بضروب السحر قال ابن كثير: وكان هذا من تسخير الله تعالى ليجتمع الناس في صعيد واحد، وتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس في النهار جهرة ﴿فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ أي فاجتمع السحرة للموعد المحدَّد وهو وقت الضحى من يوم الزينة، وهو الوقت الذي حدَّده موسى، ليظهر الحق ويزهق الباطل على رءوس الأشهاد كما قال تعالى ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين﴾ أي قيل للناس: بادروا إلى الإِجتماع لكي نتبع السحرة في دينهم إن غلبوا موسى ﴿فَلَمَّا جَآءَ السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين﴾ أي إن غلبنا بسحرنا موسى فهل تكرمنا بالمال والأجر الجزيل؟ ﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المقربين﴾ أي قال لهم فرعون: نعم أعطيكم ما تريدون وأجعلكم من القربين عندي ومن خاصة جلسائي ﴿قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ﴾ في الطلام إيجاز دلَّ عليه السياق تقديره: فقالوا لموسى عند ذلك إمَّا أن تُلقي وإِما أن نكون نحن الملقين كما ذكر في الأعراف فأجابهم موسى بقوله ﴿أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ﴾ أي


الصفحة التالية
Icon