فقد كذب جميع المرسلين ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أي ألا تخافون عذاب الله وانتقامه في عبادتكم لغيره! ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ أي أمينٌ على الوحي ناصح لكم في الدين ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾ أي فخافوا عذاب الله وأطيعوا أمري ﴿وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين﴾ أي لا أطلب منكم على تبليغ الدعوة شيئاً من المال إِنما أطلب أجري من الله، كررت الآيات للتنبيه إلى أنَّ دعوةَ الرسل واحدة ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ ؟ استفهامٌ إنكاري أي أتبنون بلك موضع مرتفع من الطريق بناءً شامخاً كالعَلَم لمجرد اللهو والعبث؟ قال ابن كثير: الرَّيع المكان المرتفع كانوا يبنون عند الطرق المشهرة بنياناً محكماً هائلاً باهراً لمجرد اللهو واللعب وإِظهار القوة، ولهذا أنكر عليهم نبيُهم عليه السلام ذلك لأنه تضيينعٌ للزمان، وإِتعابٌ للأبدان، واشتغالُ بما لا يُجدي في الدنيا ولا في الآخرة ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ أي وتتخذون قصوراً مشيَّدة محكمة ترجون الخلود في الدنيا كأنكم لا تموتون؟ ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ أي وإِذا اعتديتم على أحد فعلتم فعل الجبارين من البطش دون رأفةٍ أو رحمة، وإِنما أنكر عليهم ذلك لأنه صادر عن ظلم عادة الجبابرة المتسلطين قال الفخر: وصفهم بثلاثة أمور: اتخاذ الأبنية العالية وهو يدل على السرف وحب العلو، واتخاذ المصانع - القصور المشيَّدة والحصون - وهو يدل على حب البقاء والخلود، والجبارية وهي تدل على حب التفرد بالعلو، وكلُّ ذلك يشير على أن حبَّ الدنيا قد استولى عليهم بحيث استغرقوا فيه حتى خرجوا عن حد العبودية، وحاموا حول دعاء الربوبية، وحبُّ الدنيا رأسُ كل خطيئه ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾ أي خافوا الله واتركوا هذه الأفعال وأطيعوا أمري، ثم شرع يذكْرهم نعم الله فقال ﴿واتقوا الذي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ أي أنعم عليكم بأنواع النعم والخيرات ﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ أي أعطاكم أصول الخيرات من المواشي، والبنين، والبساتين، والنهار، وأغذق عليكم النعم فهو الذي يجب أن يُعْبد ويُشْكر ولا يُكفر ﴿إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي أخشى عليكم إن لم تشكروا هذه النعم واشركتم وكفرتم عذاب يومٍ هائل تشيب لهوله الولدان.
. دعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب، وبلغ في دعائهم بالوعظِ والتخويفِ النهاية القصوى في البيان فكان جوابهم ﴿قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين﴾ أي يستوي عندنا تذكيرك لنا وعدُمه، فلا نبالي بما تقول، ولا نرعوي عمّا نحن عليه قال أبو حيان: جعلوا قولهوعْظاً على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوَّفهم به إذ لم يعتقدوا صحة ما جاء به، وانه كاذبٌ فيما ادَّعاه ﴿إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين﴾ أي ما هذا الذي جئتنا به إلا كذبُ وخرافاتُ الأولين ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ أي لا بعث ولا جزاء ولا حساب ولا عذاب ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾ أي فكذبوا رسولهم هوداً فأهلكناهم بريحٍ صرصرٍ عاتية قال ابن كثير: وكان إهلاكهم بالريح الشديدة الهبوب، ذاتِ البرد الشديد وهي الريح الصرصر العاتية، وكان سبب إهلاكهم من جنسهم، فإِنهم