كانوا أعتى شيءٍ وأجبره، فسلَّط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشدَّ، فحصبت الريح كل شيء حتى كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه، وترفعه في الهواء ثم تنكّسه على أم رأسه، فتشدخ رأسه ودماغه ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ أي إن في إهلاكهم لعظة وعبرة ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أي وما آمن أكثر الناس مع رؤيتهم للآيات الباهرة ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ أي وإِن ربك يا محمد لهو العزيزُ في انتقامه من أعدائه، الرحيمُ بعباده المؤمنين، ثم شرع تعالى في ذكر قصة «صالح» فقال ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين﴾ أي كذبت قبيلة ثمود نبيَّهم «صالحاً» ومن كذَّب رسولاً ققد كذب جميع المرسلين ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾ ؟ ألا تخافون عذاب الله وانتقامه في عبادتكم غيره! ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين﴾ كررت الآيات للتنبيه على أن دعوة الرسل واحدة، فكل رسولٍ يذكِّر قومه بالغاية من بعثته ورسالته، وأنها لصالح البشر ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هاهنآ آمِنِينَ﴾ أي أيترككم ربكم في هذه الدنيا آمنين، مخلَّدين في النعيم، كأنكم باقون في الدنيا بلا موت؟ قال ابن عباس: كانوا معمَّرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم، قال القرطبي: ودل على هذا قولُه تعالى
﴿واستعمركم فِيهَا﴾ [هود: ٦١] فقرَّعهم صالح ووبَّخهم وقال: أتظنون أنكم باقون في الدنيا بلا موت ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ أي في بساتين وأنهار جاريات ﴿وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ أي وسهولٍ فسيحة فيها من أنواع الزروع والنخيل الرطب اللين؟ أتتركون في كل ذلك النعيم دون حساب ولا جزاء قال المفسرون: كانت أرض ثمود كثيرة البساتين والماء والنخل فذكّرهم صالحٌ بنعم اله الجليلة من إنبات البساتين والجنات، وتفجير العيون الجاريات، وإِخراج الزروع والثمرات، ومعنى «الهضيم» اللطيف الدقيق وهو قول عكرمة، وقال ابن عباس معناه: اليانع النضيج ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ﴾ أي وتبنون بيوتاً في الجبال أشرين بطرين من غير حاجةٍ لسكناها قال الرازي: وظاهر هذه الآيات يدل على أنَّ الغالب على قوم «هود» هو اللذاتُ الخيالية وهي الاستعلاء، والبقاء، والتجبر، والغالب على قوم «صالح» هو اللذاتُ الحسية وهي طلب المأكول، والمشروب، والمساكن الطيبة وقال الصاوي: كانت أعمارهم طويلة فإِن السقوف والأبينة كانت تبلى قبل فناء أعمارهم، لأن الواحد منهم كان يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾ أي فاتقوا عقاب الله وأطيعوني في نصيحتي لكم ﴿وَلاَ تطيعوا أَمْرَ المسرفين﴾ أي ولا تطيعوا أمر الكبراء المجرمين ﴿الذين يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾ أي الذين عادتهم الفساد في الأرض لا الإِصلاح قال الطبري: وهم الرهط التسعة الذين وصفهم الله بقوله ﴿وَكَانَ فِي المدينة تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨] ﴿قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين﴾ أي من


الصفحة التالية
Icon