عذاب الله فجأة ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ اي وهم لا يعلمون بمجيئه ولا يدرون ﴿فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ﴾ أي فيقولوا حين يفجأهم العذاب - تحسراً على ما فاتهم من الإِيمان وتمنياً للإمهال - هل نحن مؤخرون لنؤمن ونصدّق ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ إِنكارٌ وتوبيخ أي كيف يستعجل العذاب هؤلاء المشركون ويقولون ﴿ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] وحالُهم عند نزول العذاب أنهم يطلبون الإِمهال والنظرة؟ ﴿أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ﴾ أي أخبرني يا محمد إن متعناهم سنين طويلة، مع وفور الصحة ورغد العيش ﴿ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾ أي ثم جاءهم العذاب الذي وُعدوا به ﴿مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ﴾ ؟ أي ماذا ينفعهم حينئذٍ ما مضى من طول أعمارهم، وطيب معاشهم؟ هل ينفعهم ذلك النعيم في تخفيف الحزن، أو دفع العذاب؟ ﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ﴾ أي وما أهلكنا أهل قرية من القرى، ولا أُمةً من الأمم ﴿إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ﴾ أي إلاّ بعدما ألزمناهم الحجة بإِرسال الرسل مبشرين ومنذرين ﴿ذكرى﴾ أي ليكون إهلاكهم تذكرةً وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم ﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أي وما كنا ظالمين في تعذيبهم، لأننا أقمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم.
. ثم إنه تعالى بعد أن نبّه على إعجاز القرآن وصدق نبوة محمد عليه السلام ردَّ على قول من زعم من الكفار أن القرآن من إلقاء الجن والشياطين كسائر ما ينزل على الكهنة فقال ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين﴾ أي وما تنزَّلت بهذا القرآن الشياطين، بل نزل به الروح الأمين ﴿وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أي وما يصح ولا يستقيم أن يتنزل بهذا القرآن الشياطين، ولا يستطيعون ذلك أصلاً ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ﴾ أي أنهم منعوا من استراق السمع منذ بعث محمد عليه اسلام، وحيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب، فكيف يستطيعون أن يتنزلوا به؟ قال ابن كثير: ذكر تعالى أنه يمتنع ذلك عليهم من ثلاثة أوجه: أحدها أنه ما ينبغي لهم لأن سجاياهم الفساد، وإِضلال العباد، وهذا فيه نورٌ وهدى وبرهان عظيم، الثاني: أنه لو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك، وهذا من حفظ الله لكتابه وتأييده لشرعه الثالث: أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته لما وصلوا إلى ذلك، لأنهم بمعزلٍ عن استماع القرآن، لأن السماء مُلئت حرساً شديداً وشهباً، فلم يخلص أحد من الشياطين لاستماع حرفٍ واحد منه لئلا يشتبه الأمر ﴿فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ الخطاب للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد غيره أي لا تعبد يا محمد مع الله معبوداً آخر ﴿فَتَكُونَ مِنَ المعذبين﴾ أي فيعذبك الله بنار جهنم قال ابن عباس: يُحذّر به غيره يقول: أنتَ أكرمُ الخلق عليَّ، ولو اتخذت من دوني إلهاً لعذبتك، ثم أمر تعالى رسوله بتبليغ الرسالة فقال ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾ أي خوِّف أقاربك الأقرب منهم فالأقرب من عذاب الله إن لم يؤمنوا، روي أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قام حين نزلت عليه ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾ فقال: «يا معشر قريشٍ اشتروا أنفسكم من اللَّهِ لا أُغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أغني عنك من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباسُ بنَ عبدِ المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفيةُ عمةَ رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمةُ بنتَ محمد سليني ما شئتِ لا أُغني عنك من الله شيئاً» قال المفسرون: وإِنما أُمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بإنذار أقاربه