الأولى ليوسف عليه السلام أي حين قالوا: والله ليوسف أخوه «بنيامين» أحبُّ منَّا عند أبينا، أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابتٌ لا شبهة فيه، وإنما قالوا ﴿وَأَخُوهُ﴾ وهم جميعاً إخوة لأن أمهما كانت واحدة ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي والحال نحن جماعة ذوو عدد، نقدر على النفع والضر، بخلاف الصغيرين ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي إنه في خطأٍ وخروجٍ عن الصواب بيّن واضح، لإِيثاره يوسف وأخاه علينا بالمحبة قال القرطبي: لم يريدوا ضلال الدين إذ لو أرادوه لكفروا، وإنما أرادوا أنه في خطأ بيِّن في إيثار اثنين على عشرة ﴿اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً﴾ أي أُقتلوا يوسف أو ألقوه في أرض بعيدة مجهولة ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ أي فعند ذلك يخلصْ ويصفو لكم حبُّ أبيكم، فيُقْبل عليكم قال الرازي: المعنى إن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه، فإذا فقده أقبل علينا بالمحبة والميل ﴿وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ﴾ أي وتتوبوا من بعد هذا الذنب وتصبحوا قوماً صالحين ﴿قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غيابت الجب﴾ أي قال لهم أخوهم «يهوذا» وهو أكبر ولد يعقوب: لا تقتلوا يوسف بل ألقوه في قعر الجب وغوره ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة﴾ أي يأخذه بعض المارَّة من المسافرين ﴿إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ أي إن كان لا بدَّ من الخلاص منه فاكتفوا بذلك، وكان رأيه فيه أهون شراً من رأي غيره ﴿قَالُواْ ياأبانا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ﴾ المعنى أيُّ شيء حدث لك حتى لا تأمنا على أخينا يوسف، ونحن جميعاً أبناؤك؟ ﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ أي ونحن نشفق عليه ونريد له الخير قال المفسرون: لما أحكموا العزمْ ذكروا هذا الكلام وأظهروا عند أبيهم أنهم في غاية المحبة ليوسف، وفي غاية الشفقة عليه، ليستنزلوه عن رأيه في تخوفه منهم وكأنهم قالوا: لِمَ تخافنا عليه ونحن نحبه ونريد الخي به! ﴿ {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ أي أرسله معنا غداً إلى البادية، يتسع في أكل ما لذَّ وطاب ويلهو ويلعب بالاستباق وغيره ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي ونحن نحفظه من كل سوء ومكروه، أكّدوا كلامهم بإنَّ واللام وهم كاذبون ﴿قَالَ إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ﴾ أي قال لهم يعقوب: إنه ليؤلمني فراقُه لقلة صبري عنه ﴿وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ أي وأخاف أن يفترسه الذئب في حال غفلتكم عنه، وكأنه لقنهم الحجة قال الزمخشري: إعتذر إليهم بشيئين: أحدهما: أن ذهابهم به ومفارقته إيّاه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة، والثاني: خوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم ﴿قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ﴾ اللام للقسم أي والله لئن أكله الذئب ونحن جماعة أقوياء أشداء إنا لمستحقون أن يُدعى علينا بالخسارة والدمار ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ في الكلام محذوف أي فأرسله معهم فلما أخذوه وابتعدوا به عن أبيه ﴿وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب﴾ أي عزموا واتفقوا على إِلقائه في غور الجب ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي أوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك بفعلهم هذا الذي فعلوه بك وهم لا يشعرون في ذلك الوقت أنك يوسف، قال الرازي: وفائدة هذا الوحي تأنيسُه، وتكسينُ نفسه، وإزالةُ الغمّ والوحشةِ عن قلبه، بأنه سيحصل له