الخلاص من هذه المحنة ﴿وجآءوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ﴾ أي رجعوا إلى أبيهم وقت العشاء ليلاً وهم يبكون، روي أنه لما سمع يعقوب بكاءهم فزع، وقال: ما لكم يا بَنيَّ، وأين يوسف؟ ﴿قَالُواْ ياأبانآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ أي نتسابق في العَدْو، أو في الرمي ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذئب﴾ أي تركنا يوسف عند ثيابنا وحوائجنا ليحفظها فجاء الذئب فافترسه ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ أي لست بمصدّق لنا في هذه المقالة ولو كنا في الواقع صادقين، فكيف وأنت تتهمنا وغير واثق بقولنا؟ وهذا القول منهم يدل على الارتياب، وكما قيل: يكاد المريبُ يقول خذوني ﴿وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أي جاءوا على ثوبه بدمٍ كاذب، وُصِفَ بالمصدر مبالغةً كأنه نفسُ الكذب وعينُه قال ابن عباس: ذبحوا شاة ولطخوا بدمها القميص فلما جاءوا يعقوب قال: كذبتم لو أكله الذئب لخرقَ القميص وروي أنه قال: «ما أحلم هذا الذئب أكل ابني ولم يشق قميصه» ؟} ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ أي زيَّنت لكم أنفسكم أمراً في يوسف وليس كما زعم أن الذئب أكله ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي أمري صبرٌ جميل لا شكوى فيه ﴿والله المستعان على مَا تَصِفُونَ﴾ أي وهو سبحانه عوني على تحمل ما تصفون من الكذب ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ أي قوم مسافرون مروا بذلك الطريق قال ابن عباس: جاء قوم يسيرون من مدين إلى مصر فأخطئوا الطريق فانطلقوا يهيمون حتى هبطوا على الأرض التي فيها جب يوسف، وكان الجب في قفرة بعيدة عن العمران ﴿فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ﴾ أي بعثوا من يستقي لهم الماء ﴿فأدلى دَلْوَهُ﴾ أي أرسل دلوه في البئر قال المفسرون: لما أدلى الواردُ دلوه وكان يوسف في ناحيةٍ من قعر البئر تعلَّق بالحبل فخرج فلما رأى حسنه وجماله نادى ﴿قَالَ يابشرى هذا غُلاَمٌ﴾ قاله على سبيل السرور والفرح لتبشير نفسه وجماعته قال أبو السعود: كأنه نادى البشرى وقال تعاليْ فهذا أوانك حيث فاز بنعمة جليلة ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾ أي أخفوا أمره عن الناس ليبيعوه في أرض مصر متاعاً كالبضاعة والضمير يعود على الوارد وجماعته ﴿والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي لا يخفى عليه سبحانه أسرارهم، وما عزموا عليه في أمر يوسف ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ هذه هي المحنة الثانية في حياة يوسف الصدّيق وهي محنة الاسترقاق أي باعه أولئك المارة الذين استخرجوه من البئر بثمنٍ قليل منقوص هو عشرون درهماً كما قال ابن عباس ﴿وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين﴾ أي وكانوا في يوسف من الزاهدين الذين لا يرغبون فيه لأنهم التقطوه وخافوا أن يكون عبداً آبقاً فينتزعه سيّده من أيديهم، ولذلك باعوه بأبخس الأثمان ﴿وَقَالَ الذي اشتراه مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ أي وقال الذي اشتراه من مدينة مصر لزوجته أكرمي إقامته عندنا قال ابن عباس: كان اسم الذي اشتراه «قطفير» وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر «عسى أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} أي عسى أن يكفينا بعض المهمات إذا بلغ أو نتبناه حيث لم يكن يولد لهما ولد ﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض﴾ أي وكما نجيناه من الجب جعلناه متمكناً في أرض مصر يعيش فيها بعز وأمان ﴿وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ أي نوفقه لتعبير بعض المنامات {والله غَالِبٌ على