عُصبة لأن بعضهم يتعصب لبعض ويتقوى به ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ قال الجوهري: «ويْ» كلمةُ تعجب وقد تدخل على «كأن» فتقول: ويكأنَّ، وقيل إنها كلمة تستعمل عند التنبه للخطأ وإظهار الندم قال الخليل، إن القوم تنهوا وقالوا نادمين على ما سلف منهم وَيْ ﴿ظَهيراً﴾ معيناً ومساعداً.
التفسِير: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء الجاحدين من كفار مكة: أخبروني لو جعل الله عليكم اللل دائماً مستمراً بلا انقطاع إلى يوم القيامة ﴿مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ﴾ ؟ أي من هو الإِله الذي يقدر على أن يأتيكم بالنور الذي تستضيئون به في حياتكم غيرُ الله تعالى؟ ﴿أَفَلاَ تَسْمَعُونَ﴾ أي أفلا تسمعون سماع فهمٍ وقبول فتستدلوا بذلك على وحدانية الله تعالى؟ ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة﴾ أي أخبروني لو جعل الله عليكم النهار دائماً مستمراً بلا انقطاع ﴿مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ أي من هو الإِله القادر على أن يأتيكم بليلٍ تستريحون فيه من الحركة والنصب غير الله تعالى؟ ﴿أَفلاَ تُبْصِرُونَ﴾ أي أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ والضلال؟ ثم نبه تعالى إلى كمال رحمته بالعباد فقال ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار﴾ أي ومن آثار قدرته، ومظاهر رحمته أن خلق لكم الليل والنهار يتعاقبان بدقةٍ وإحكام ﴿لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ أي لتستريحوا بالليل من نصب الحياة وهمومها وأكدارها، ولتلتمسوا من رزقه بالمعاش والكسب في النهار ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي ولتشكروا ربكم على نعمه الجليلة التي لا تُحصى، ومنها نعمةُ الليل والنهار قال الإِمام الفخر: نبه تعالى بهذه الآية على أن الليل والنهار نعمتان يتعاقبان على الزمان، لأن المرء في الدنيا مضطر إلى أن يتعب لتحصيل ما يحتاج إليه، ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار، ولولا الراحة والسكون بالليل، فلا بدَّ منهما في الدنيا، وأما في الجنة فلا نصب ولا تعب فلا حاجة بهم إلى الليل، فلذلك يدوم لهم الضياء واللذات ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ قال ابن كثير: هذا نداءٌ ثانٍ على سبيل التوبيخ والتقريع لمن عبد مع الله إلهاً آخر، يناديهم الرب على رءوس الأشهاد: أين شركائي الذين زعمتموهم في الدنيا؟ ﴿وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً﴾ أي أخرجنا من كل أمةٍ شهيداً منهم يشهد عليهم بأعمالهم وهو نبيُّهم ﴿فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ أي هاتوا حجتكم على ما كنتم عليه من الكفر، هذا إعذار لهم وتوبيخٌ وتعجيز ﴿فعلموا أَنَّ الحق لِلَّهِ﴾ أي فلموا حينئذٍ أن الحقَّ لله ولرسله، وأنه لا إله إلا هو ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع ما كانوا يتخرصونه في الدنيا من الشركاء والأنداد، ثم ذكر تعالى قصة «قارون» ونتيجة الغرور والطغيان فقال ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ موسى﴾ أي من عشيرته وجماعته قال ابن عباس: كان ابن عم موسى ﴿فبغى عَلَيْهِمْ﴾ أي تجبر وتكبر على قومه، واستعلى عليهم بسبب ما منحه الله من الكنوز والأموال قال الطبري: أي تجاوز حدَّه في الكبر والتجبر عليهم ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِي القوة﴾ أي أعطيناه من الأموال الوفيرة، والكنوز الكثيرة ما يثقل على الجماعة أصحاب القوة حمل مفاتيح