عذاب الله ﴿الله وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين﴾ أي وما كان المنتصرين بنفسه بل كان من الهالكين ﴿وَأَصْبَحَ الذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بالأمس﴾ أي وصار الذين تمنوا منزلتُه وغناه بالأمس القريب بعد أن شاهدوا ما نزل به من الخسف ﴿يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ﴾ أي يقولون ندماً وأسفاً على ما صدر منهم من التمني: اعجبوا أيها القوم من صنع الله، كيف أن الله يوسّع الرزق لمن يشاء من عباده - بحسب مشيئته وحكمته - لا لكرامته عليه، ويضيّق الرزق على من يشاء من عباده - لحكمته وقضائه ابتلاءً - لا لهوانه عليه!! قال الزمخشري: ﴿وَيْكَأَنَّ﴾ كلمتان «وَيْ» مفصولة عن «كأنَّ» وهي كلمة تنبيه على الخطأ وتندم، ومعناه أن القوم تنبهوا على خطئهم في تمنيهم منزلة قارون وتندموا وقالوا ﴿لولا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا﴾ أل لولا أنَّ الله لطف بنا، وتفضَّل علينا بالإِيمان والرحمة، ولم يعطنا ما تمنيناه ﴿لَخَسَفَ بِنَا﴾ أي لكان مصيرنا مصير قارون، وخسف بنا الأرض كما خسفها به ﴿وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون﴾ أي أعجبُ من فعل الله حيث لا ينجح ولا يفوز بالسعادة الكافرون لا في ادنيا، ولا في الآخرة.
. وإلى هنا تنتهي «قصة قارون» وهي قصة الطغيان بالمال، بعد أن ذكر تعالى قصة الطغيان بالجاه والسلطان في قصة فرعون وموسى، ثم يأتي التعقيب المباشر في قوله تعالى ﴿تِلْكَ الدار الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض وَلاَ فَسَاداً﴾ الإِشارة للتفخيم والتعظيم أي تلك الدار العالية الرفيعة التي سمعت خبرها، وبلغك وصفها هي دار النعيم الخالد السرمدي، التي فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نجعلها للمتقين الذين لا يريدون التكبر والطغيان، ولا الظلم والعدوان في هذه الحياة الدنيا ﴿والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي العاقبة المحمودة للذين يخشون الله ويراقبونه، ويبتغون رضوانه ويحذرون عقابه ﴿مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ أي من جاء يوم القيامة بحسنةٍ من الحسنات فإن الله يضاعفها له أضعافاً كثيرة ﴿وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يُجْزَى الذين عَمِلُواْ السيئات إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي ومن جاء يوم القيامة بالسيئات فلا يجزى إلا بمثلها، وهذا من فضل الله على عباده أنه يضاعف لهم الحسنات ولا يضاعف لهم السيئات ﴿إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن﴾ أي إن الذي أنزل عليك يا محمد القرآن وفرض عليك العمل به ﴿لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ﴾ أي لرادُّك إلى مكة كما أخرجك منها، وهذا وعدٌ من الله بفتح مكة ورجوعه عليه السلام إليها بعد أن هاجر منها قال ابن عباس: معناه لرادك إلى مكة، وقال الضحال: لما خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من مكة فبلغ الجُحْفة اشتاق إلى مكة، فأنزل الله عليه هذه الآية ﴿قُل ربي أَعْلَمُ مَن جَآءَ بالهدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: ربي أعلم بالمهتدي والضال هل أنا أو أنتم؟ فهو جلَّ وعلا الذي يعلم المحسن من المسيء، ويجازي كلاً بعمله، وهو جواب لقول كفار مكة: إنك يا محمد في ضلالٍ مبين ﴿وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أي وما كنت تتطمع أن تنال النبوة، ولا أن ينزل عليك الكتابُ ولكن رحمك الله بذلك ورحم العباد ببعثتك قال


الصفحة التالية
Icon