عما كانوا يختلقونه من الكذب على الله عَزَّ وَجَلَّ، ثم ذكر تعالى لرسوله صلى الله عيه وسلم قصة نوح تسليةً له عما يلقاه من أذى المشركين فقال ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ أي ولقد بعثنا نوحاً إلى قومه فمكث فيهم تسعمائة وخمسين سنة سنة يدعوهم إلى توحيد الله جلَّ وعلا، وكانوا عبدة أصنام فكذبوه ﴿فَأَخَذَهُمُ الطوفان وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ أي فأهلكهم الله بالطوفان وهم مصرّون على الكفر والضلال قال أبو السعود: والطوفان: كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة، من السيل والريح والظلام، وقد غلب على طوفان الماء قال الرازي: وفي قوله ﴿وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ إِشارة إلى لطيفة، وهي أن الله لا يعذب على مجرد وجود الظلم، وإِنما يعذب على الإِصرار على الظلم ولهذا قال ﴿وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ يعني أهلكهم وهم على ظلمهم ﴿فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة﴾ أي فأنجينا نوحاً من الغرق ومن ركب معه في السفينة من أهله وأولاده وأتباعه المؤمنين ﴿وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي وجعلنا تلك الحادثة الهائلة عظة وعبرة للناس بعدهم يتعظون بها ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه﴾ قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عبده ورسوله وخليله «إِبراهيم» إِمام الحنفاء، أنه دعا قومه إِلى عبادة الله وحده لا شريك له، والإِخلاص له في التقوى، وطلب الرزق منه وحده، وتوحيده في الشكر فإِنه المشكور على النعم لا مُسدي لها غيره ﴿ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي عبادة الله وتقواه خير لكم من عبادة الله الأوثان إِن كنتم تعلمون الخير من الشر وتفرقون بينهما ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَوْثَاناً﴾ أي أنتم لا تعبدون شيئاً ينفع أو يضر، وإِنما تعبدون أصناماً من حجارة صنعتموها بأيديكم ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً﴾ أي وتصنعون كذباً وباطلاً قال ابن عباس: تنحتون وتصورون إِفكاً ﴿إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً﴾ أي إِن هؤلاء الذين تعبدونهم لا يقدرون على أن يرزقوكم ﴿فابتغوا عِندَ الله الرزق﴾ أي فاطلبوا الرزق من الله وحده، فإِنه القادر على ذلك ﴿واعبدوه واشكروا لَهُ﴾ أي وخصوه وحده بالعبادة واخشعوا واخضعوا له، واشكروه على نعمة التي أنعم بها عليكم ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي إِليه لا إِلى غيره مرجعكم يوم القيامة فيجازي كل عاملٍ بعمله ﴿وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ﴾ لما فرغ من بيان التوحيد أتى بعده بالتهديد أي وإِن تكذبوني فلن تضروني بتكذيبكم وإِنما تضرون بأنفسكم فقد سبق قبلكم أمم كذبوا رسلهم فحلَّ بهم عذاب الله، وسيحل بكم ما حلَّ بهم ﴿وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين﴾ أي وليس على الرسول إِلا تبليغ أوامر الله، وليس عليه هداية الناس قال الطبري: ومعنى ﴿البلاغ المبين﴾ أي الذي يبينُ لمن