سمعه ما يُراد به، ويفهم منه ما يعني به ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ الله الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ الاستفهام لتلوبيخ لمنكري الحشر أي أولم ير المكذبون بالدلائل الساطعة كيف خلق تعالى الخلق ابتداءً من العدم، فيستدلون بالخلقة الأولى على الإِعادة في الحشر؟ قال قتادة: المعنى أولم يروا بالدلائل والنظر كيف يجوز أن يعيد الله الأجسام بعد الموت؟ ﴿إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ أي سهل عليه تعالى فكيف ينكرون البعث والنشور؟ فإِن من قدر على البدء قدر على الإِعادة، قال القرطبي: ومعنى الآية على ما قاله البعض: أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبداً، وكذلك يبدأ خلق الإِنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولداً، وخلق من الولد ولداً، وكذلك سائر الحيوان، فإِذا رأيتم قدرته على الإِبداء والإِيجاد، فهو القادر على الإِعادة لأنه إِذا أراد أمراً قال له كن فيكون ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق﴾ أي قل لهؤلاء المنكرين للبعث سيروا في أرجاء الأرض فانظروا كيف أن الله العظيم القدير خلق الخلق علىكثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إِلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم الله، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ! ﴿ثُمَّ الله يُنشِىءُ النشأة الآخرة﴾ أي ثم هو تعالى ينشئهم عند البعث نشأةً أخرى ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي لا يعجزه تعالى شيء ومنه البدء والإِعادة ﴿يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ﴾ أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله الخلق والأمر، لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ أي وإِليه تُرجعون يوم القيامة ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء﴾ أي لا تفوتون من عذاب الله، وليس لكم مهربٌ في الأرض ولا في السماء قال القرطبي: والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله كقوله
﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ أي ليس لكم غير الله وليٌّ يحميكم من بلائه، ولا نصير ينصركم من عذابه ﴿والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله وَلِقَآئِهِ﴾ أي كفروا بالقرآن والبعث ﴿أولئك يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي﴾ أي أولئك المنكرون الججاحدون قنطوا من رحمتي قال ابن جرير: وذلك في الآخرة عند رؤية العذاب ﴿وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي لهم عذاب موجع مؤلم ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ أي فما كان ردُّ قومه عليه حين دعاهم إلأى الله ونهاهم عن الأصنام إِلا أن قال كبراؤهم المجرمون: اقتلوه لتستريحوا منه أو حرّقوه بالنار ﴿فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار﴾ أي فألقوه في النار فجعلها برداً وسلاماً عليه ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي إِنَّ في إِنجائنا لإِبراهيم من النار لدلائل وبراهين ساطعة على قدرة الله لقوم يصدقون بوجود الله وكمال قدرته وجلاله ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم مِّن دُونِ الله أَوْثَاناً﴾ أي قال إبراهيم لقومه توبيخاً لهم وتقريعاً: إِنما عبدتم هذه الأوثان والأصنام وجعلتموها آلهة مع الله ﴿مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحياة الدنيا﴾ أي من أجل أن تدوم المحبة والألفة بينكم في هذه الحياة باجتماعكم على عبادتها ﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ أي ثم في الآخرة ينقلب الحال فتصبح هذه الصداقة والمودة عداوةً وبغضاء